أحدها: اعتراضهم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها).
الثاني: غيبتهم لبني آدم بذلك.
والثالث: إعجابهم وافتخارهم على بني آدم بقولهم (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
والرابع: مخالفة إبليس في الامر بالسجود مع أنه كان من الملائكة.
فهذه الوجوه الأربعة أشبه ما احتج به المخالف من هذه الآية، وإن كان فيها وجوه أخر من الاحتجاج، لكن أعرضنا عنها لضعفها ووضوح الجواب عنها، والجواب عن هذه الوجوه.
أما الأول: وهو أنهم اعترضوا على الله تعالى، فقد أجاب عنه أهل السنة بوجوه ثلاثة.
أحدها: أن هذا ليس على سبيل الاعتراض، وإنما هو على سبيل التعلم لأمر الله تعالى، ومعناه أنهم قالوا ذلك ليظهروا عظمة حكمة الله تعالى، وأنه جعل في الأرض من هذه صنعته، وهذا الذي ظهر من حاله بحكمه عليها ومصلحة قدرها هو أعلم بها، فكأنهم قالوا: سبحانك ربنا وتعاليت ما أعظم شأنك وحكمتك، فعلمك بخفايا الأمور حيث تجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء، وأنت أعلم بموضع المصلحة في ذلك، ولهذا أجابهم بقوله (إني أعلم ما لا تعلمون) فإنه تقرير لهم على ما اعتقدوه من خفي حكمة الله تعالى وعلمه.
والثاني: أنهم لشدة محبتهم لله تعالى وحرصهم على الطاعة كرهوا المعصية، فسألوا أعلامهم بما خفي من الحكمة في ذلك، ليطمئنوا ويسكنوا إليه، وهو قول الأخفش.
والثالث: وهو الذي اختاره القفال، أن ذلك على سبيل الاثبات والايجاب، فهو استفهام تقرير وإيجاب، وليس المراد به الاستعلام ولا الانكار، فكأنهم قالوا يفعل ذلك، وهو كقول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندي العالمين بطون راح (1) أي: أنتم كذلك وقد قيل غير هذه الأجوبة لكن هذه أقواها.
فإن قيل: فكيف علم الملائكة أن بني آدم يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض وكيف أضافوا ذلك إلى جميعهم مع أنه مضاف إلى البعض.
قلنا: لعلهم كانوا قد اطلعوا على ذلك من اللوح المحفوظ، وأن الله تعالى أعلمهم