المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا ألكنا خبز الشعير طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فئ المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي هذا البعير الناضح وهذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بها إلى عمر، قالت عائشة: فقلت، فلما جاء الرسول إلى عمر بكى، وجعلت دموعه تسيل، ويقول: رحم الله أبا بكر مرتين، لقد أتعب من بعده. ومن مناقبه ما كان من إنقاذ جيش أسامة، ومخالفته الكافة في ترك إبعاده وقوله: كأن أخر من السماء فتخطفني الطير، وتنهشني السباع أحب إلي أن أكون حالا لعقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول عند موته: أنقذوا جيش أسامة.
ومنها قتالة أهل الردة، وخروجه بنفسه.
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: وقبل عمر رأيه - رضي الله تعالى عنهما - في قتال أهل الردة.
ومنها عهده إلى عمر - رضي الله تعالى عنهما - لما حضرته الوفاة، وقوله له: اتق الله، يا عمر! واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي لها فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل، وحق الميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت:
إني أخاف أن لا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم، قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكن العبد راغبا وراهبا، ولا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته، فإن أنت حفظت وصيتي فلا تكن الدنيا أحب الله إليك من الموت.