وروى أيضا عن عبد الله بن همام قال: يا أبا الدرداء بأي شئ يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا ابن أخي يا بني ما كان بلغ من الشيب أن يختضب به، ولكن قد كان منه شعرات، وكان يغسله بالحناء والسدر.
وروى أيضا بسند ضعيف عن بشر مولى الرقاشيين قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ما كان شيبه يحتاج إلى الخضاب، كان وضح في عنفقته وناصيته، لو أردنا أن نحصيها أحصينا.
وروى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض، وفي رواية عنده لم ير من الشيب إلا قليلا، وفي أخرى لو شئت أعد شمطات كن في رأسه، ولم يخضب، وفي رواية لم يخضب، إنما كان البياض في عنفقته، وفي الصدغين، وفي الرأس نبذ (1).
تنبيهات الأول: قال الشيخ عبد الجليل القصري: إنما صبغ صلى الله عليه وسلم لأن النساء غالبا يكرهن الشيب، ومن كره من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقد كفر.
الثاني: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ قال القاضي رحمه الله تعالى: الأكثرون - وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى أنه لم يخضب وقال النووي:
المختار أنه صبغ في وقت، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى، وهو صادق، قال:
وهذا التأويل كالمتعين، فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين لا يمكن تركه، ولا تأويل له قال الحافظ: والجمع بين حديث أبي رمثة وابن عمر، وحديث أنس أن يحمل حديث أنس على غلبة الشيب، حتى يحتاج إلى خضابه، ولم يتفق أنه رآه، وهو يخضب ويحمل حديث من أثبت الخضاب على أنه فعله، لإرادة الجواز، ولم يواضب عليه، وأما ما رواه الحاكم عن عائشة [أنها] قالت: (ما شأنه الله تعالى ببيضاء) المحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شئ من حسنه صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر الإمام أحمد إنكار أنس، وذكر حديث ابن عمر، ووافق الإمام مالك أنسا في إنكار الخضاب، وتأول ما ورد، قلت: وفي التأويل بعد الثالث: في بيان غريب ما سبق: الخضاب: ككتاب: ما يختضب به.
نبذ بضم النون، وفتح الموحدة، وبفتح النون، وإسكان الموحدة: أي شعرات متفرقات.