الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ١٠٢٥

عهده بعد الأمين والمأمون وسماه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور والعواصم. وهكذا قسم الرشيد الدولة العباسية وهيأ بذلك عوامل المنافسة والحسد بين هؤلاء الاخوة وغرس بذور الفتنة كما يذكر ذلك الطبري في تاريخه: ٦ / ٦٠٣، والمسعودي في المروج: ٣ / ٣٦٤.
ومن هذا وذاك يتضح أن المأمون أراد أن يأمن الخطر الذي يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة وحتى لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل. وقد أشار المأمون إلى ذلك حيث صرح بأنه خشي أن يترك الإمام على حاله أن ينفتق عليه منه ما لا يسده ويأتي منه عليه مالا يطيقه... وأن يجعل تلك الشخصية تحت المراقبة الدقيقة من الداخل والخارج، ولذا زوجه ابنته حتى تكون رقيبا داخليا موثوقا عنده هو...
ولم يكتف بذلك بل جعل هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضا... وكان لا يتكلم الإمام في داره بشئ إلا أورده هشام على المأمون وذي الرئاستين... كما ذكر في مسند الإمام الرضا:
١ / ٧٧، وعيون أخبار الرضا: ٢ / ١٥٣، والبحار: ٤٩ / ١٣٩، وانظر شرح ميمية أبي فراس: ٣٠٤ وكشف الغمة: ٣ / ٩٢.
وكذلك أراد المأمون أن يعزل الإمام (عليه السلام) عن الناس حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية وكذلك يعزله عن شيعته ليقطع الطريق عليهم، ولذا نجد أن الإمام الرضا (عليه السلام) يكتب إلى أحمد بن محمد البزنطي ويقول له: أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول إلى صعب وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن وسيكون إن شاء الله... ذكر ذلك المامقاني في رجاله: ١ / ٧٩، والصدوق في عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢١٢.
وخير دليل على عزل الإمام عن الناس هو إرجاعه عن صلاة العيد مرتين، وهذه مشهورة كما أشرنا إليها سابقا، وذكرها المسعودي في إثبات الوصية: ٢٠٠، ومعادن الحكمة: ١٨٠، ونور الأبصار: ٣٢٠، وإعلام الورى: ٣٢٢، وروضة الواعظين: ١ / ٢٧١، وأصول الكافي: ١ / ٤٨٩، ومطالب السؤول: ٨٥ ط حجرية.
وربما أراد من تقريب الإمام (عليه السلام) أن يجعل له شعبية واسعة، وهذا ما أكده أحمد الشيبي في الصلة بين التصوف والتشيع: ٢٣٣ حيث قال: إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين الذين حاربوه ونصروا أخاه.
وبعد قليل نقف مع هذا كله وما هو موقف الإمام الرضا (عليه السلام) في مواجهة مؤمرات المأمون ويجعله يبوء بالخيبة والخسران ويمنى بالفشل الذريع حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك.
أما الآن فنقف مع الدكتور أحمد أمين المصري في ضحى الإسلام: ٣ / ٢٩٥ الذي يقول: إن المأمون قد أراد بذلك أن يصلح بين البيتين العلوي والعباسي ويجمع شملهما ليتعاونوا على ما فيه خير الأمة وصلاحها وتنقطع الفتن وتصفو القلوب، وأنه كان معتزليا ويرى أحقية علي وذريته بالخلافة، وكذلك أنه وقع تحت تأثير الفضل والحسن بني سهل الفارسيين.... ونقول له:
إن عقائد المأمون لم تكن هي المنطلق له في مواقفه السياسية بل نراه ينطلق بما هو يخدم مصالحه الخاصة حتى أنه وصف الصحابة ما عدا الإمام علي (عليه السلام) بالملحدين ويصف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ب‍ " جعل " وأن المعتزلة لم تفضل عليا على جميع الصحابة بشكل واضح وإنما بدأه بشر بن المعتمر.
أما ما يراه بعض المؤرخين كجرجي زيدان في تاريخ التمدن الإسلامي: ٤ / ٤٣٩، وأحمد شلبي في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية: ٣ / ٣٢٠، وابن الأثير في الكامل: ٥ / ١٢٣، وابن الطقطقي في الفخري في الآداب السلطانية: ٢١٧ والذين يرون أن الفضل بن سهل هو العامل الرئيسي في لعبة ولاية العهد فنقول:
إن نسبة التشيع للفضل هي نسبة غير صحيحة حتى وإن تظاهر، اللهم إلا أن تكون مؤامرة بين الرجلين، وذلك لأن بعض النصوص تفيد أن الفضل كان عدوا للإمام (عليه السلام) حيث إنه كان من صنائع البرامكة كما يقول الشيخ الصدوق عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٦٦ و ٢٢٦ والمجلسي في والبحار:
٤٩ / ١٤٣، ١١٣. والبرامكة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) ولم يكن هو راغبا في البيعة للرضا (عليه السلام) وإنه وأخاه قد مانعا في عقد العهد للرضا كما ذكر أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٦٣ والشبلنجي في نور الأبصار: ٣١٦، والإربلي كشف الغمة: ٣ / ٦٦، والفتال في روضة الواعظين: ١ / ٢٦٩، والمفيد في الإرشاد: ٣١٠.
كل هذه المصادر تشير على أن الفضل من أعداء الإمام ومانع من ولاية العهد له فكيف يكون هو المشير على المأمون؟ ولو كان ممن يتشيع فكيف يمكن أن يتآمر عليه؟ وكيف ذهب إلى الرضا وحلف له بأغلظ الأيمان ثم عرض عليه قتل المأمون وجعل الأمر إليه؟ ولكن بسبب وعيه وتيقظه قد ضيع عليه وعلى سيده هذه الفرصة حيث أدرك أنها دسيسة ومؤامرة فزجر الفضل وطرده ثم دخل من فوره على المأمون وأخبره بما كان من الفضل. وهذا مما يدلل على أنه أراد التمهيد للتخلص من الرضا ليخلو له الجو.
واستمر في أغراضه الدنيئة حتى أن بعض المؤرخين يرى أن المأمون لم يقتل الإمام إلا بتحريض من الفضل بن سهل، وإذا كان الفضل ممن يتشيع فمن غير المناسب أن يخبر الإمام المأمون بما عرضه عليه الفضل من قتل المأمون، كما ذكر الطبري في تاريخه: ١١ / ١٠٢٥ ط ليدن، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٦٥، والطبرسي في وإعلام الورى: ٣٢٥، والإربلي في كشف الغمة: ٣ / ٧١، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين: ١ / ٢٧٦.
وها هو المأمون برواية الريان بن الصلت عند ما رأى أن القواد والعامة قد أكثروا في بيعة الرضا وأنهم يقولون " إن هذا من تدبير الفضل " قال للمأمون ذلك فأجابه: ويحك يا ريان! أيجسر أحد على أن يجئ إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقواد واستوت الخلافة فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟.... انظر عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٥١ ح ٢٢، وحلية الأبرار: ٢ / ٣٤٨، وفيات الأعيان: ٢ / ٥٢١، و: ٣ / ٨٤، و: ٤ / ٤١، و: ٥ / ٣٥٧، و: ٦ / ٤٢٠ و ٤٢١ و ٤٢٧.
أما الإجابة على السؤال الذي طرحناه سابقا وهو هل أن الإمام (عليه السلام) كان راضيا بها أم مكرها عليها؟
المصادر التاريخية تحدثنا على أن الإمام (عليه السلام) رفض قبولها أشد الرفض وبقي مدة يحاول إقناعه بالقبول فلم يفلح، وقد استمرت محاولاته في مرو أكثر من شهرين والإمام (عليه السلام) يأبى عليه ذلك، كما ورد في عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٤٩، والبداية والنهاية: ١٠ / ٢٥٠ والآداب السلطانية: ٢١٧، وغاية الاختصار: ٦٧، وينابيع المودة: ٣٨٤، وتاريخ الشيعة: ٥١ و ٥٢، وروضة الواعظين: ١ / ٢٦٧، وإعلام الورى: ٣٢٠، وعلل الشرايع: ١ / ٢٣٦، وأمالي الصدوق: ٤٢، والإرشاد: ٣١٠، وكشف الغمة: ٢ / ٦٥ و ٦٦ والمناقب لابن شهرآشوب: ٤ / ٣٦٣، والكافي: ١ / 489.
هذه المصادر وغيرها تؤكد على أن الإمام الرضا رفض الولاية ولكن قبلها بعد التهديد، ولذا قال المأمون له: ما استقدمناك باختيارك، فلا نعهد إليك باختيارك، والله إن لم تفعل ضربت عنقك... وقال الإمام (عليه السلام):... قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم... ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك، على إجبار وإكراه، بعد الإشراف على الهلاك....
هذا جوابه (عليه السلام) على سؤال الريان. أما جوابه لأبي الصلت فقال: وأنا رجل من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجبرني على هذا الأمر واكرهني عليه....
وها هو أحمد أمين في ضحى الإسلام: 3 / 294 يقول:... وألزم الرضا بذلك، فامتنع ثم أجاب...
وقال القندوزي في ينابيع المودة: 284: إنه قبل ولاية العهد، وهو باك حزين... وقال المسعودي في إثبات الوصية: 205:... فألح عليه فامتنع، فأقسم فأبر قسمه... وقال (عليه السلام):... إني قد أجبت، امتثالا للأمر وإن كان الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك. إذا لم يكن المأمون جادا في عرضه للخلافة ولا الإمام (عليه السلام) راضيا بها لأن ولاية الأمر هي من قبل الله في الأصل لا من قبل المأمون.
وورد في أمالي الصدوق: 525 ح 13 قوله (عليه السلام) بعد أن رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني مكره مضطر، فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين دفع إلى ولاية مصر.
(١٠٢٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (5)، الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، كتاب علل الشرايع للصدوق (1)، كتاب روضة الواعظين (2)، كتاب أمالى الصدوق (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى (2)، كتاب إثبات الوصية للمسعودي (2)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهانى (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، كتاب كشف الغمة للإربلي (4)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، مدرسة المعتزلة (1)، العلامة المجلسي (1)، إبن الأثير (1)، هشام بن إبراهيم الراشدي (1)، الريان بن الصلت (1)، الشيخ الصدوق (1)، ابن شهرآشوب (1)، الفضل بن سهل (2)، أحمد بن محمد (1)، الهلاك (2)، القتل (5)، الضرب (1)، الصّلاة (1)، الوسعة (1)، الرفض (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1021 1022 1023 1024 1025 1025 1031 1033 1035 1036 1037 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الفصل الثاني: في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 685
2 فصل: في نسبه، وكنيته، ولقبه، وصفاته الحسنة 692
3 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) 697
4 فصل: في علمه (عليه السلام) 702
5 فصل: في عبادته وزهادته (عليه السلام) 705
6 فصل: في جوده وكرمه (عليه السلام) 707
7 فصل: في شيء من كلامه (عليه السلام) 710
8 فصل: في ذكر طرف من أخباره (عليه السلام) ومدة خلافته 713
9 فصل: في ذكر وفاته ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 734
10 فصل: في ذكر أولاده (عليه السلام) 742
11 الفصل الثالث: في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) 753
12 فصل: في ذكر نسبه وكنيته ولقبه (عليه السلام) 755
13 فصل: فيما ورد في حقه (عليه السلام) من جهة النبي (صلى الله عليه وآله) 756
14 فصل: في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته (عليه السلام) 763
15 فصل: في ذكر كرمه وجوده (عليه السلام) 767
16 فصل: في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه (عليه السلام) 770
17 فصل: في ذكر مخرجه (عليه السلام) إلى العراق 776
18 فصل: في ذكر مصرعه ومدة عمره وإمامته (عليه السلام) 809
19 ذكر من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) ومن أهل بيته ومواليه 842
20 فصل: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلام 851
21 الفصل الرابع: في ذكر علي بن الحسين (عليهما السلام) 853
22 الفصل الخامس: في ذكر أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) 877
23 الفصل السادس: في ذكر أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) 907
24 الفصل السابع: في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) 931
25 الفصل الثامن: في ذكر أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 965
26 ذكر ولاية العهد من المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) 1005
27 الفصل التاسع: في ذكر أبي جعفر محمد الجواد بن علي الرضا (عليهما السلام) 1033
28 الفصل العاشر: في ذكر أبي الحسن علي المعروف بالعسكري (عليه السلام) 1061
29 الفصل الحادي عشر: في ذكر أبي محمد الحسن الخالص بن علي العسكري (عليه السلام) 1077
30 الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمد 1095
31 علامات قيام القائم ومدة أيام ظهوره (عليه السلام) 1123
32 الفهارس 1137
33 فهرس الآيات 1139
34 فهرس الأحاديث الشريفة 1157
35 فهرس الأسماء و الكنى و الألقاب 1205
36 فهرس المذاهب والفرق 1323
37 فهرس الجماعات والقبائل والأقوام 1327
38 فهرس الأماكن والبلدان 1335
39 فهرس الحوادث والغزوات والحروب والوقائع 1349
40 فهرس الأشعار 1353
41 فهرس المنابع والمآخذ 1369