ونوح عليه السلام كان أطول الأنبياء عمرا أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما فلما دنا أجله قيل له كيف رأيت الدنيا؟
فقال كدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب وهذا يدل بمفهومه على أنه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقة ولا الدنيا استطال أمد الإقامة فيها.
وإبراهيم عليه السلام روى أنه سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يسأله فلما استكمل أيامه التي قدرت له خرج فرأى ملكا على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف ولعابه يجرى على لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله من غير اختياره فقال له يا شيخ كم عمرك؟ فأخبره بعمر يزيد على عمر إبراهيم سنة فاسترجع وقال أنا أصير بعد سنة إلى هذه الحال فسأل الموت.
وموسى عليه السلام لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه فأعوره كما ورد في الحديث فقال رب انك أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت فأوحى الله إليه أن ضع يدك على متن ثور ولك بكل شعره وارتها يدك سنة فقال ثم ماذا فقال الموت فقال انته إلى أمر ربك في كلام هذا معناه فان الحديث لم يحضرني وقت نقل هذا الموضع فأثبته بصورة ألفاظه.
فهؤلاء الأنبياء (ص) وهم ممن عرفت شرفهم وعلا شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلك وأبت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة وفاطمة عليها السلام امرأة حديثة عهد بصبي ذات أولاد صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إربا وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلو موت أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وتضحك طيبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيط الألسن بصفته