تنبيه من غفلة وايقاظ من غفوة منار مبرات الأجواد وآثار مقامات الأمجاد يتفاوت مقدارها بين العباد بحسب أقطار أقدارها في الاعتقاد وقد جاد الحسن عليه السلام بما لم تجد بمثله نفس جواد وتكرم بما يبخل به كل ذي كرم وارفاد فإنه لا رتبة أعظم من الخلافة ولا أعلى من مقامها ولا حكم لملك في الملة الإسلامية إلا وهو مستفاد من أحكامها ولا ذو إيالة ولا ولاية إلا وهو منقاد ببرة زمامها واقف في قضايا تصرفاتها بين نقضها وإبرامها فهي المنصب الأعلى والمنتصب لها صاحب الدنيا فالأمر والنهى متصل بأسبابه والجاه والمال محصل من أبوابه والنباهة والشهرة يستفاد من اقترابه والتقدم والتأخر يرتاد من ارضائه واغضابه وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته لإقامة احكامه وآدابه.
وكان الحسن عليه السلام قد تقلد بعقد انعقادها واستبد بعقد ايجادها وارتدى بمفوف أبرادها وبايعته ألوف لا تفر يوم جلادها وتابعته سيوف لا تقر في أغمادها وشايعته من قبايل القبايل نفوس أسادها واشتملت جريدة جيشه على أربعين ألفا كل يعد قتله بين يدي الحسن عليه السلام شهادة ويعتقد قيامه بطاعته عبادة ويرى كونه من أنصاره وشيعته اقبالا وسعادة.
فبينما هو في اقبال أيامها يأمر وينهى وقد أحاط بحال مقامها حقيقة وكنها كشف له التأييد الرباني حالة لم يدركها سواه ولم يستبنها فجاد بالخلافة على معاوية فسلمها إليه وخرج عنها وتكرم بها وحرمها نفسه الشريفة فانسلخ منها.