إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ١٠
ادماجها في حديث واحد، حيث فتح الباب على مصراعيه لتسرب الأخبار التي يدسها غير الموثوق بهم من المحدثين.
ومحمد بن إسحاق بن يسار المتوفى عام 151 ه‍ (1)، وغيرهم (2).
نعم، ان هذه البدايات المبكرة في تركيز مبدأ الاعراض عن الحقائق الثابتة والكبرى التي أوصى بها المشرع المقدس، والتعامل معها تعاملا يتراوح بين الإعراض تارة، والتعامل المشوب بالحذر والتوجس من الموقف السلطوي والعام المتأثر به تارة أخرى (3)، كونت بالتالي

(1) رغم ان ابن إسحاق عمد في كتابه هذا إلى التوسع والتفصيل خلافا عما كان عليه السابقون من اعتماد تأريخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، بل تجاوز ذلك إلى تدوين تأريخ النبوة أيضا، وما يتصل بها، وحتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم انه عمد أيضا إلى التعرض بشكل واضح وبين إلى سيرة الإمام علي عليه السلام، إلا أنه تعرض أولا للاتهام بكونه شيعيا، ومن ثم تعرض مؤلفه هذا للضياع، ثم ظهوره بعد ذلك بشكل مختصر ومشوه قام بجمعه عبد الملك بن هشام المتوفى 218 د، فكان بالتالي موافقا للمنهج الذي أشرنا إليه انفا.
(2) ليس ثمة شك بان هناك البعض ممن حاول أن يكتب ولو بعض ما يصح لديه من السيرة النبوية وما يتصل بها، إلا ان ذلك لم يكن بالقدر المؤثر في وقف التيار العام المندفع بقوة والذي تسيره سياط الحكام وأكياس دراهمهم، فبقي أثرهم محدودا، وكتاباتهم متعثرة، لا سيما والتلويح بتهمة التشيع وما يترتب عليها كانت تقف أمامهم بالمرصاد، كحال أبي معشر وابن سعيد الأموي وغيرهما.
(3) من يتأمل المنهج الذي سارت عليه الدولة الأموية - منذ نزو معاوية بن هند على سدة الحكم وحتى طيلة تلاحق سلسلة الحكام الأمويين - يجد الكثير من الشواهد ، والحقائق الدالة على حقيقة هذا التوجه الخبيث الرامي إلى دفع حالة الاستقطاب الكبرى لأهل البيت عليهم السلام بواسطة سياسة حرف أنظار التأريخ وعيونه عن اعتمادهم كمراكز وأقطاب مقدسة - يدرس التأريخ وتقام صروحه من خلال آفاقها الواسعة، ومعطياتها الكبرى التي أقامها لهم الشارع المقدس - والمرتكزة في أوضح أبوابها على أسلوب الارهاب والقتل والتشريد، وذلك ليس بخاف على أحد.
نعم، فإذا كان مصير حجر بن عدي وأصحابه، ورشيد الهجري، و عبد الله بن يقطر، وميثم التمار - الذي أظهر أسلوب قتله حقيقة السياسة الأموية التي أشرنا إليها بأوضح صورها، وحيث صلب على نخلة، ثم الجم لما لم يكف عن التحدث عن فضل أهل البيت عليهم السلام ومنزلتهم العظيمة، وما يعنيه هذا من تركيز حاد لعيون التأريخ عليهم، وبالتالي ابتناء المنهج الذي تخشاه الدولة الأموية، ومن تبعهم من العباسيين ومن لف لفهم - وغيرهم القتل الذريع بأيدي أزلام الدولة الأموية، ومنفذي سياستها الوسخة، فان زعيم هذه الدولة الفاسدة كان قد أقام لاتباعه أسس هذا النظام ومناهجه من خلال ما عممه في كتابه الشهير إلى عماله والذي ينص علن أن: برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي بعد إشارته إلى هذا الكتاب: فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليا!! ويبرؤون منه!! ويقعون فيه وفي أهل بيته...!!
وأضاف: وكتب معاوية إلى عماله أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وأن من قامت عليه البينة أنه يحب عليا فان اسمه يمحى من الديوان، ويسقط عطاؤه ورزقه، وأما من يتهم بمولاة أهل هذا البيت فإنه ينكل به، وتهدم داره...
وللقارئ الكريم أن يتأمل في ما تعنيه سياسة تكميم الأفواه هذه، و، ما تشكله من خطورة في حرف التأريخ، وصرفه عن الحقائق الكبرى.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست