وذكر محمد بن إسحاق عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون معه، فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرار، فررتم في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليسوا بفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله) (1).
ثم كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان، وذلك أن رسول الله لما صالح قريشا عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعهده، ودخلت كنانة في حلف قريش، فلما مضت سنتان من القضية قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رجل من خزاعة: لا تذكر هذا، قال: وما أنت وذاك؟ فقال: لئن أعدت لأكسرن فاك.
فأعادها، فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه، فاستنصر الكناني قومه، والخزاعي قومه، وكانت كنانة أكثر فضربوهم حتى أدخلوهم الحرم، وقتلوا منهم، وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخبره الخبر وقال أبيات شعر، منها:
لا هم أني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا أن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا وقتلونا ركعا وسجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسبك يا عمرو) ثم قام فدخل دار ميمونة وقال: (اسكبوا لي ماء) فجعل يغتسل ويقول: (لا نصرت إن لم أنصر بني كعب).