نعم، فإذا اعتبرنا بان كتابة التأريخ واحدة من أجل العلوم والمعارف الانسانية التي تعمل على مد الجسور والصلات الحياتية - بمفرداتها المختلفة - والفكرية، وربطها بالحاضر المعاش، وحيث ينبغي ان تكون صورة منعكسة صادقة عن واقع الاحداث الدائرة حول مراكزها الحقيقية، وأقطابها الحقيقية.
فان الدور الذي لعبته دوائر القرار السياسي الحاكمة إبان ابتناء اللبنات الأولى لقيام هذا البنيان الكبير كان له الأثر الكبير في ترسيخ جملة من المفاهيم والقواعد المغلوطة التي أمست - بترويج وتكريس واقرار تلك المراكز لها، والفراغ الذي أوجدته سياسة أولئك الحكام وأتباعهم - العيون الكبرى، والنوافذ الواسعة المشرعة على الدهور السالفة، والقرون الماضية، والتي لا يسع الباحث إلا الاغتراف من بحرها، والمخر في عبابها، واقتحام لججها.
ولا غرو في ذلك، فان من يستقرئ السنوات التي عاصرتها بدايات قيام المناهج التقليدية لكتابة التأريخ - بشقيها المتعلقين بما يسمى بكتب المغازي من جانب، والتاريخ العام من جانب اخر (1) - يجدها قد ولدت بين أحضان واحتواءات السياسة الأموية أو العباسية، وبالتالي اتسامها بالمحاذرة اليقظة المتوجسة من تجاوز الخطوط الحمراء التي كرستها سياسة تلك الحكومتين، وما يترتب على ذلك من تأثر - موافقا أو مغلوبا على