طالما تغلب العقل البشري السليم وحكم بالصواب صارخا بالناس، مبشرا ومنذرا، على لسان الحكماء والفلاسفة والأنبياء والرسل، وقادة البشر ذوي المنطق الصائب والإرادة المحكمة، متأثرين بما شاهدوه من الانحطاط العقلي والانجراف إلى الرذيلة والظلم والاستهتار، وتدهور الفكر الانساني إلى هوات الجهل والتعاسة فخطبوا الجماهير وأوضحوا لهم سبل الحياة، وجاهدوا وضحوا في سبيل العدالة واستعادة الفرد وعيه وصوابه، فخلفوا تراثا من النظم المقدسة وسمو العقل البشري، خلد ذكراهم: كسقراط وإفلاطون والفارابي وابن سينا ويوحنا وكونفوشيوس: حكماء من الإغريق والإسلام والهند والصين، ومن الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وشرح سقراط الفضيلة والدولة المثلى، ووضع أفلاطون جمهوريته، وكان مثارهما هو انحطاط الدولة وتغلب الرعاع باسم الديمقراطية، تسيرها شهواتهم، بعثت بهذه الأفكار لإيجاد دولة مثلي يسعد فيها هذا البشر المتسافل إلى الهوات السحيقة وإلى المفاسد، شريعة ومنهجا له يقوده إلى السعادة، واعتقد سقراط ان اجتماع الجماهير من الرعاع يزيدهم تدهورا وفسادا ويتفاقم ذلك بلاء إذا استثار أحدهم بقدرته الخطابية هياج الجماهير ومثله بالطبل الفارغ، وحدد المستبد مشبها إياه بقوله: من كان يعمل في يقظته كل ما يعمله بوحي غرائزه في نومه،