فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " وقال لعلي (عليه السلام) وصيه وخليفته وهو يدري لما قال وأوصى أنه سيلقى منهم اضطهادا فأوصاه بالصبر والتجلد وقد رتب ما يلزم للفتح وتعميم الدين. وما ان اغمض عينيه حتى نقضوا واختلفوا واغتصبوا مكان الثقل الثاني مكان عترته، تلك العترة التي لا تسير دفة الأمور إلا على عواتقهم فهم المفسرون لمجمل كتاب الله، وهم الحاملون لعلم نبيهم كما قال رسول الله لعلي: " إنك لتقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ".
نعم، قاتل رسول الله على تنزيل القرآن، وبات تأويل القرآن بعده لباب علمه وهم علي وعترته الثقل الثاني فماذا كانت النتيجة إذا أبدلوا أوامر الله ونقضوا الأخرى فسار الدولاب الذي وضعه رسول الله لأمد، ثم وقف وإذا به ليس بيد اهله فعاد الضعف بعد القوة، والتفرقة بعد الجماعة، والخذلان بعد الألفة.
ثم نعود لنرى أوربا المسيحية التي تأثرت بالحضارة الاسلامية الباقية تستثير علماءها وجهالها وتنهض بعد طول الرقاد، وتهيب بالناس لحقهم المسلوب ونبذ الظلم والاستبداد، فتقوم الثورات الدينية على الكنيسة وبعدها الثورات على ملوكهم، فتحطم الأولى تمثال الكنيسة وتفسخه، وتهدم الثانية صرح الملكية الشامخ وتنزله فتقوم بعده حكومات سموها ديمقراطية تحت سلطة الشعوب مع حفظ حق الفرد، وأخرى شيوعية تحت سلطة الجماعة مع حق الجماعة، وقامت ثالثة فاشية لتساوي بينهما وتعيد الحكم المطلق بأسماء أخرى، وقامت بينها الحروب، ولا زال السجال والحرب بينهما قائمة حتى اليوم.
تلك صورة مجملة من حكومات العالم منذ بدء التاريخ إلى اليوم وكل منها من مطلقة وأرستقراطية وديمقراطية وشيوعية ما وفت بالحق لا للفرد ولا للجماعة وكلها لا زالت وبالا علينا وسخطا على أنفسها، ساقت للبشرية باسم الانسانية