أبا بكر وعمر وغيرهما كانوا يعرفون أن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه ووزيره نظرا لسوابقه للإسلام وقرابته من رسول الله ونصرته له ومواساته إياه في كل هول وخوف انما كان علي بن أبي طالب وحده وقد كان أبو بكر وعمر وآل أمية وجميع الصحابة، كلهم يعرفون حق علي لازما عليهم، وفضله مبرزا فيهم، غير أن أبا بكر وعمر ومن تابعهما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم علمهم ودرايتهم بكل ذلك وما نزل في علي من الآيات وما امر به رسول الله المسلمين بعده بأنه مولاهم بعده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ودعا الله قائلا: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ولكنهم فضلوا معاداة الله ومخالفة نبيه فكانوا أول من ابتزه حقه وخالفوه على امره ولقد كانا على ذلك اتفقا واتسقا ولم يكتفيا بذلك وهما اللذان هنآه يوم غدير خم بعد خطبة رسول الله حيث قالا له: بخ بخ لك يا بن أبي طالب لقد أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهما يعلمان حق العلم أن آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) إنما نزلت بعدما أبلغوا بولايته ووصايته واتباعه بعد رسول الله، بيد انهما منذ الساعة التي هنآه بها وهما ومن تبعهما من المنافقين وقريش من الذين لما يدخل الاسلام والايمان في قلوبهم من آل أمية وغيرهم جميعا لم يكتفوا بغصب حقه وتراثه بل التعدي بذلك عليه وأجبراه على بيعتهما وهما يهددانه بالقتل، وقد أبطأ عنهما، وهما حين يهددانه بالقتل يقول: " اذن تقتلون أخا رسول الله ووصيه من بعده وحافظ سره " وتوجه إلى قبر رسول الله وهو يخاطبه كما خاطب هارون موسى " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " فهما به الهموم وأرادا به العظيم ثم إنه بايعهما وسلم لهما وأقاما لا يشركانه في امرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضهما الله. وقد اعترف معاوية بكل ذلك في رسالته جهرا، وبين مظالمهما وانهما هما اللذان مهدا له ولأمثاله من أعداء آل محمد الطريق حيث قال: فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك اوله، وإن يكن جورا فأبوك رأسه ونحن شركاؤه، بهديه اخذنا وبفعله
(١٧٥)