اما رسول الله فقد خرج من مكة يصحبه أبو بكر حتى إذا بلغوا الغار واختفوا فيه، وعقبت اثرهم قريش حتى وصلوا باب الغار فخاف أبو بكر وحزن حزنا شديدا فنزلت الآية لذلك (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه) إلى آخرها. فما بال أبي بكر يحزن وهو خائف ويدري انه مع رسول الله، فإن كان مؤمنا بالله ورسوله فهل هناك شهادة أعظم من هذه وكما ذكرنا آنفا ان المؤمن هو الذي يقدم نفسه وماله في سبيل الله مسرورا أملا بما عند الله له من ثواب الدنيا والآخرة فعلام هذا الحزن الشديد الذي يتراءى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يقول له: لا تحزن ان الله معنا؟ وكيف بمن يقدم نفسه للقتل في ساحات القتال، بل كيف عرض نفسه لذلك الخطر العظيم علنا ونام محل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون خوف بل بكل رحابة صدر واخلاص حتى نزلت في مدحه الآية الشريفة (راجع ما جاء في العقد الفريد لتفسير الآية عن المأمون) (1). وفي المدينة انما برز أبو بكر بالنسبة لبعض الصحابة انما كان لزواج ابنته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولطالما كادت هذه الصلة ان تنهدم، بسبب عائشة نفسها وأعمالها في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتألب زوجاته عليه، وان لقارئ القرآن ان يدرك ذلك، ولكم حاولت عائشة ان تقدم أباها وتظهره بمظهر يفوق غيره من بعض النواحي ليأتم به المسلمون في صلاتهم مثلا في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيبته، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر ونحاه ولقد حضر أبو بكر
(١٦٠)