وخرجه مسلم (1) من حديث مالك بن أنسوعبد الله بن نمير وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا.
(١) (مسلم بشرح النووي): ١٥ / ١٢٠ - ١٢١، كتاب الفضائل، باب (37) توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف، حديث رقم (2359)، من حديث موسى بن أنس، عن أنس بن مالك - رضي الله تبارك وتعالى عنه - قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شئ، فخطب فقال: عرضت على الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قال: فما أتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، قال:
غطوا رؤوسهم ولهم حنين، قال: فقام عمر، فقال: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، قال: فقاوم ذلك الرجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). قال الإمام النووي: مقصود أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن إكثار السؤال، والابتداء بالسؤال عما لا يقع، وكره ذلك لمعان منها: أنه ربما كان سببا لتحريم شئ على المسلمين فيلحقهم به المشقة ومنها: أنه ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوؤه، ولهذا أنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)، وكما صرح به الحديث في سبب نزولها. ومنها: أنهم ربما أحفوه بالمسألة، وألحفوه المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم. قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل تكلفا، أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة: بأن وقعت له مسألة فسأله عنها فلا إثم عليه ولا عتب، لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر) قال صاحب (التحرير) وغيره: فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرارا بغيره كان آثما. قوله صلى الله عليه وسلم: عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " فيه أن الجنة والنار مخلوقتان، ومعنى الحديث: لم أر خيرا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شرا أكثر مما رأيته في النار، ولو رأيتم ما رأيت، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم، لأشفقتم إشفاقا بليغا، ولقل ضحككم، وكثر بكاؤكم، فيه دليل على أنه لا كراهة في استعمال لفظة " لو " في مثل هذا.
والله تعالى أعلم. قوله: " غطوا رؤوسهم ولهم خنين " هو بالخاء المعجمة، هكذا هو في معظم النسخ، ولمعظم الرواة، ولبعضهم بالحاء المهملة، وممن ذكر الوجهين: القاضي، وصاحب (التحرير)، وآخرون. قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البكاء، وهو نوع من البكاء دون الانتحاب، قالوا: وأصل الحنين خروج الصوت من الأنف، كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة. وقال الأصمعي: إذا تردد بكاؤه، فصار في كونه عنه فهو حنين.
وقال أبو زيد: الحنين مثل الخنين، وهو شديد البكاء (شرح النووي).