وأما تبرؤ إبليس من قريش في يوم بدر بعد ما زين أن يخرجوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني جار لكم فقال الله تبارك وتعالى:
﴿وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أخاف الله والله شديد العقاب﴾ (1) فقوله: (زين لهم الشيطان أعمالهم) هي ما كانوا فيه من الشرك بالله وعبادة الأصنام ومسيرهم إلى بدر، وعزمهم على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (جار لكم) أي مجيركم من بني كنانة والفئتان جمعا المؤمنين والكافرين، وقيل: فئة المؤمنين وفئة الملائكة، (نكص) رجع على عقبيه في ضد إقباله، (وقال إني برئ منكم) مبالغة في الخذلان والانفصال عنهم، لم يكتف بالفعل حتى أكد ذلك بالقول (أرى ما لا ترون) أي خرق العادة، ونزل الملائكة (أني أخاف الله) قال قتادة، وابن الكلبي: معذرة كاذبة لم يخف الله قط.
وقال الزجاج وغيره: بل خاف مما رأى أن يكون اليوم الذي أنظر إليه (والله شديد العقاب) قال ذلك بسطا لعذره عندهم وهو متحقق أن عقاب الله شديد، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، استأنفه تهديدا لإبليس ومن تابعه من مشركي قريش وغيرهم، واتفق الجمهور على أن هذا التزيين والنكوص والقول صدر حقيقة، وزعم الزمخشري جريا على عادته في بدعته أنه وسوس إليهم أنهم لا يغلبون، ولا يطاقون وأن نكوصه وتبرئة منهم هو بطلان كيده حين تزل جنود الله، فيكون ما ذكر الله يعبر عن إبليس على قوله: إنما هو على سبيل المجاز.