وأما زوال الشك من قلب أبي بن كعب (1) في الحال بضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره ودعائه له فخرج مسلم (2) من حديث ابن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبي بن كعب
(١) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك النجار، وسيد القراء، وأبو منذر، الأنصاري، النجاري، المدني، المقرئ، البدري، ويكنى أيضا أبا الطفيل. شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل، رضي الله تبارك وتعالى عنه. قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: " إن الله أمرني أن أقرأ، وفي لفظ: " أمرني أن أقرئك القرآن " قال: الله سماني لك؟ قال:
" نعم "، قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: " نعم "، فذرفت عيناه. قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي. وروى أبو قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقرأ أمتي أبي ". قال الواقدي: وفاةأبي بن كعب في خلافة عمر، ورأيت أهله وغيرهم يقولون. مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة. ولأبي في الكتب الستة نيف وستون حديثا له عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة. (تهذيب سير أعلام النبلاء): ١ / ٤٠ - ٤١، ترجمة رقم (٨٨).
(٢) (مسلم بشرح النووي): ٦ / ٣٤٩، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (٤٨) بيان أن القرآن على سبعة أحرف التخفيف، والتسهيل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هون على أمتي. واختلف العلماء في المراد بالسبعة أحرف، قال القاضي عياض: هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، قال:
وقال الأكثرون: هو حصر للعدد سبعة، ثم قيل: هي سبعة في المعاني: كالوعيد، والمحكم، والمتشابه، والحلال، والحرام، والقصص، والأمثال، والأمر، والنهي، ثم أختلف هؤلاء في تعيين السبعة وقال آخرون: هي في أداء، التلاوة وكيفية النطق بكلماتها: من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة، ومد، لأن العرب مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه. وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف " وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب، ثم اختلف هؤلاء فقيل: سبع قراءات وأوجه، وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب، يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى: (عبد الطاغوت)، (نرتع ونلعب)، (وباعد بين أسفارنا) و (بعذاب بئيس)، وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضبطها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضاربة، ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، ولاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة، كانت قراءة واحدة. قال الداودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها، ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة، بل تكون متفرقة فيها، وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عليه عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره.
وقال غيره: ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في ختمة واحدة، ولا يدري أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ضبطتها عنه الأمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابي، أي أنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراءة السبعة وغيرهم. قال المازردي: وأما قول من قال: المراد سبعة معان مختلفة: كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ، لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. وقال: وقول من قال المراد خواتيم الآية، فيجعل مكان (غفور رحيم) (سميع بصير) فاسد أيضا للاجماع على منع تغيير القرآن للناس. وهذا مختصرها، ونقلة القاضي عياض في المسألة. والله تعالى أعلم.