وأما ثبات جرير البجلي (1) على الخيل بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بعد أن كان لا يثبت عليها
(1) هو جرير بن عبد الله، وهو الشليل بن مالك بن نصر - أو نضر - بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي - أو عدي - بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر، وهو مالك ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث البجلي. يكنى أبا عمرو. وقيل: أبا عبد الله، واختلف في بجيلة، فقيل: ما ذكرنا، وقيل: إنهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب (القبائل)، ولم يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها، وهي بجيلة بنت صعب بن علي بن سعد العشيرة.
قال ابن إسحاق: جرير بن عبد الله البجلي سيد قبيلته، يعني بجيلة. قال: وبجيلة هو ابن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، وقال مصعب: أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، منهم بجيلة.
وقال أبو عمر رحمه الله: كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جرير:
أسلمت قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما. وروى شعبة وهشيم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني قط إلا ضحك وتبسم. وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافدا عليه: يطلع عليكم خير ذي يمن، كأن على وجهه مسحة ملك، فطلع جرير، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي كلاع وذي رعين باليمن. وفيه فيما روى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وروى أنه قال ذلك في صفوان بن أمية الجمحي. وفي جرير قال الشاعر:
لولا جرير هلكت بجيلة * نعم الفتى وبئس القبيلة فقال عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه: ما مدح من هجى قومه، وكان عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه يقول: جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة - يعني في حسنه - وهو الذي قال لعمر رضي الله تبارك وتعالى عنه حين وجد في مجلسه رائحة من بعض جلسائه، فقال عمر: عزمت على صاحب هذه الرائحة إلا قام فتوضأ، فقال جرير بن عبد الله:
علينا كلنا يا أمير المؤمنين فاعزم، قال: عليكم كلكم عزمت. ثم قال: يا جرير، ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام. ونزل جرير الكوفة وسكنها، وكان له بها دارا، ثم تحول إلى قرقيسياء، ومات بها سنة أربع وخمسين. وقد قيل: إن جريرا توفي سنة إحدى وخمسين. وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية.
أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا حمزة، حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تكفيني ذا الخلصة - [ذو الخلصة - محرك -: بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم، وكان فيه صنم اسمه الخلصة] - فقلت: يا رسول الله، إني رجل لا أثبت على الخيل، فصك في صدري، فقال: اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا. فخرجت في خمسين من قومي، فأتيناها فأحرقناها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلمجرير بن عبد الله إلى ذي الكلاع وذي ظليم باليمن، وقدم جرير بن عبد الله على عمر بن الخطاب من عند سعد بن أبي وقاص، فقال له: كيف تركت سعدا في ولايته؟
فقال: ولايته؟ أكرم الناس مقدرة، وأحسنهم معذرة، هو لهم كالأم البرة، يجمع لهم كما تجمع الذرة، مع أنه ميمون الأثر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس.
قال: فأخبرني عن حال الناس، قال: هم كسهام الجعبة، منها القائم الرائش، ومنها العضل الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها يغمز عضلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسرائر يا عمر.
قال أخبرني عن إسلامهم، قال: يقيمون الصلاة لأوقاتها، ويؤتون الطاعة لولاتها. فقال عمر: الحمد لله إذا كانت الصلاة أوتيت والزكاة، وإذا كانت الطاعة الجماعة.
وجرير القائل: الخرس خير من الخلابة، والبكم خير من البذاء، وكان جرير رسول على رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى معاوية، فحبسه مدة طويلة، ثم رده برق مطبوع غير مكتوب، وبعث معه من يخبره بمنابذته له في خبر طويل مشهور.
روى عنه أنس بن مالك، وقيس بن أبي حازم، وهمام بن الحارث، والشعبي وبنوه عبيد الله، والمنذر، وإبراهيم. (الإستيعاب): 1 / 236 - 240، ترجمة رقم (322)، (الإصابة):
1 / 475 - 476، ترجمة رقم (8 113).