إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ١٢ - الصفحة ٧٤
السماء بدخان مبين) إلى قوله: (عائدون). ثم عادوا في كفرهم، فأخذهم الله يوم بدر، وهو قوله تعالى: (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون).
قال عبد الله: فقد مضى الدخان، ومضت البطشة يوم بدر ومضى اللزام وهو يوم بدر، (آلم غلبت الروم) (1) واللزوم قد مضى، فقد مضت الأربع (2).
وله من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال عبد الله: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وقال (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين).
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصب كل شئ، حتى أكلوا الجلود والعظام. وقال أحدهما: الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا، ثم قال: يعودون، ثم قرأ هذه الآية: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) (3). فيكشف الله عنهم عذاب الآخرة. فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهما: واللزوم.
رواه جرير بن حازم، وجرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر وأبو معاوية ووكيع في آخر، عن الأعمش، وقال الرياشي: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اشدد وطأتك على مضر وأجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال:
فبقيت السماء سبع سنين لا تمطر، واشتد الجهد بقيس فقدم وفد قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم لبيد بن ربيعة (4)، فلما مثلوا بين يديه فقام لبيد وقال:

(1) أول سورة الروم.
(2) (فتح الباري): 2 / 626، كتاب الاستسقاء، باب (2) دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعلها عليهم سنين كسني يوسف "، حديث رقم (1007)، وفيه: " فالبطشة يوم بدر، وقد مضت الدخان والبطشة واللزام، وآية الروم.
(3) راجع التعليق السابق.
(4) هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وكان يقال لأبيه: ربيع المقترين لسخائه. وقتلته بنو أسد في حرب بينهم وبين قومه. وقيل غير ذلك. ويكنى لبيد أبا عقيل، وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، وكان الحارث بن أبي شمر الغساني - وهو الأعرج - وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فرس، فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم، فقتل أكثرهم ونجا لبيد، حتى أتى ملك غسان فأخبره الخبر، فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم، وقو يوم حليمة. وكانت حليمة بنت ملك غسان طيبت هؤلاء الفتيان حين توجهوا وألبستهم الأكفان والدروع وبرانس الإضريح [ضرب من الأكسية]. وأدرك لبيد الإسلام، وقدم لبيد الكوفة وبنوه، فرجع بنوه إلى البادية بعد ذلك، فأقام لبيد إلى أن مات بها، فدفن في صحراء بني جعفر بن كلاب، ويقال: إن وفاته كانت في أول خلافة معاوية، إنه مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين، ولم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا واختلف في البيت. قال أبو اليقظان هو:
الحمد لله إذا لم يأتني أجلي * حتى كساني من الإسلام سربالا وقال له عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه أنشدني من شعرك، فقرأ سورة البقرة وقال: ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله سورة البقرة وآل عمران، فزاده عمر في عطائه خمسمائة درهم، وكان ألفين. فلما كان في زمن معاوية، قال معاوية: هذان الفودان، فما بال العلاوة يعني بالفودين الألفين، وبالعلاوة الخمسمائة - وأراد أن يحطه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفودان. فرمد له معاوية، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير.
ومما يستجد من شعره:
وكل امرئ سيعلم سيعه * إذا كشفت عند الإله المحاصل وهذا البيت يدل على أنه قيل في الإسلام، وهو شبيه بقول الله تبارك وتعالى: (وحصل ما في الصدور) [العاديات: 10]، أو كان لبيد قبل إسلامه يؤمن بالبعث والحساب. (الشعر والشعراء): 167 - 174، ترجمة لبيد بن ربيعة مختصرا.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست