فلما بلغها (1) هجاؤه نبذت رحله وقالت: مالنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنعه بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانا، فقال: ابن الأشرف نزل على آل فلان فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدوم ابن الأشرف قال: اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقد آذاني، فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله وأنا أقتله، قال فافعل فمكث محمد بن مسلمة: أياما لا يأكل فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله قلت لك قولا فلا أدري أفي لك به أم لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما عليك الجهد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشاور سعد بن معاذ في أمره.
فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس، منهم عباد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن سلامة وأبو سلامة وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله، فأذن لنا فلنقتله فإنه لا بد لنا منه، قال: قولوا، فخرج أبو نائلة إليه فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو نائلة: حدثت لنا حاجة إليك، قال وهو في نادي قومه وجماعتهم: أدن إلي، فخبرني بحاجتك، وهو متغير اللون مرعوب وكان أبو نائلة ومحمد بن مسلمة أخويه من الرضاعة، فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار وانبسط كعب وهو يقول بين ذلك: حاجتك وأبو نائلة يناشده الشعر، فقال كعب حاجتك، لعلك تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا.
قال أبو نائلة: إني كرهت أن يتسمع القوم ذرو (2) كلامنا فيظنون، كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاعت العيال، أخذنا الصدقة، ولا نجد ما نأكل، فقال كعب: قد كنت والله أحدثك بهذا يا بن سلامة، إن الأمر سيصير إليه.