جميعا، الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا، فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور﴾ (١) وفيهم أنزل ﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير﴾ (2).
فلما أبي ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة - رضي الله تبارك وتعالى عنه - بالبشارة من بدر بقتل المشركين، وأسر منهم، ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل، ثم قال لقومه: والله لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكي قتلاهم، فلعلهم ينتدبون، وأخرج معهم.
فخرج - حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضميرة السهمي، فجعل يرثي قريشا يقول (3):
طحنت رحى بدر لتهلك أهلها * ولمثل بدر تستهل وتدمع قتلت سراة الناس حول حياضه * لا تبعدوا إن الملوك تصرع ويقول أقوام أذل بسخطهم * إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا * ظلت تسيخ بأهلها وتصدع كم قد أصيب بها من أبيض ماجد * ذي بهجة يأوى إليه الضبع