وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، فرفع يديه وقال: يا رب موعدك الذي وعدتني.
وأقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال، وقال: لا يغرنكم خذلان سراقة إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه لا يهولنكم مقتل عتيبة وشيبة والوليد، فإنهم عجلوا وبطروا حتى قاتلوا، وأيم الله لا نرجع اليوم حتى نقرن محمد وأصحابه في الحبال، ولا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا، ولكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباؤكم.
وحدثني أبو إسحاق بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم قال: نادى يومئذ نوفل بن خويلد بن العدوية: يا معشر قريش إن سراقة وقد عرفتم قومه وخذلانهم لكم في كل موطن فاصدقوا القوم الضرب فإني أعلم أن ابني ربيعة قد عجلا في مبارزتهما من يبارز.
وحدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رافعة بن رافع عن أبيه قال: إن كنا لنسمع من إبليس خورا، ودعا بالويل والثبور، وتصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر ورفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، ولقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول: والله ما صنعت منه شيئا (1).
وحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد الله بن حنين مولى بني العباس عن عمارة بن أكيمة الليثي قال: حدثني شيخ عراك من الحي كان يومئذ على الساحل مطلا على البحر، قال: سمعت صياحا: يا ويلاه! قد ملأ الوادي، يا حزناه، فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقال مالك: فداك أبي وأمي؟ فلم يرجع إلي شيئا، ثم أراه اقتحم البحر فرفع يديه مدا يقول:
يا رب ما وعدتني، فقلت في نفسي: جن وبيت الله سراقة، وذلك حين زاغت الشمس وذلك عند انهزامهم يوم بدر (2).