إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٥

وهو مقتضى كلام ابن أبي جمزة المذكور قريبا، وتمسك به أيضا من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، فأما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقى المعراج، وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عن ابن إسحاق والبيهقي في (الدلائل)، ولفظه: (فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته) فذكر الحديث قال: (ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصليت، ثم أتيت بالمعراج).
وفي رواية ابن إسحاق: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فلم أر قط شيئا كان أحسن منه، وهو الذي يحد إليه الميت عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء) الحديث.
وفي رواية كعب: (فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب، حتى عرج هو وجبريل) وفي رواية لأبي سعيد في (شرف المصطفى) أنه (أتي بالمعراج من جنة الفردوس، وأنه منضد باللؤلؤ، وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة).
وأما المحتج بالتعدد فلا حجة له، لاحتمال أن يكون التقصير في ذلك الإسراء من الراوي. (فتح الباري).
قوله: (أرسل إليه)؟ أي للعروج، وليس المراد أصل البعث، لأن ذلك قد اشتهر في الملكوت الأعلى، وقيل: سألوا تعجبا من نعمة الله عليه بذلك، أو استبشارا به، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقي إلا بإذن الله تعالى، وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه، وقوله: (من معك)؟ يشعر بأنهم أحسوا معه برفيق، وإلا لكان السؤال بلفظ (أمعك أحد)، وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة، وإما بأمر معنوي كزيادة أنوار أو نحوها، يشعر بأمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة. (فتح الباري).
وفي قول: (محمد) دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية، وقيل: الحكمة في سؤال الملائكة: (وقد بعث إليه؟ أن الله تعالى أراد إطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم على أنه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا: (أو بعث إليه)؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، وإلا لكانوا يقولون: ومن محمد؟ مثلا (فتح الباري).
قوله: (مرحبا به) أي أصاب رحبا وسعة، وكنى بذلك عن الانشراح، واستنبط منه ابن المنبر جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول الملك: (مرحبا به) ليس ردا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب، والسياق يرشد إليه.
قوله: (فنعم المجئ جاء) قيل: المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: (جاء فنعم المجئ مجيؤه).
وقال ابن مالك: في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو الصفة عن الموصوف في باب نعم، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجئ وإلى مخصوص بمعناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها، فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير نعم المجئ الذي جاء، أو نعم المجئ مجئ جاءه، وكونه موصولا أجود، لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة، (فتح الباري).
قوله صلى الله عليه وسلم: (فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) هذا من أقوى ما استدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلم نبيه محمدا ليلة الإسراء بغير واسطة.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم:
* أن للسماء أبوابا حقيقية وحفظة موكلين بها.
* وفيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان، ولا يقتصر على أنا، لأنه ينافي مطلوب الاستفهام.
* وأن المار يسلم على القاعد، وإن كان المار أفضل من القاعد.
* وفيه استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر، والترحيب، والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه.
* وفيه جواز الاستناد إلى القبلة، بالظهر وغيره، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور، وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة.
* وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل.
* وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار، لما وقع من الإسراء بالليل ولذلك كانت أكثر عيادته بالليل، وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل، وقال: ((عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل).
* وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عالج الناس قبله وجربهم.
* ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة، وقد قال موسى في كلامه: إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة - قال:
* ويستفاد منه أن مقام الرضا والتسليم، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثم استبد موسى عليه السلام، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف، دون إبراهيم عليه السلام، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة، ورفعة المنزلة، والاتباع في الملة.
وقال غيره: الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها، وأنهم خالفوه وعصوه.
* وفيه أن الجنة والنار قد خلقنا، لقوله في بعض طرقه: (عرضت علي الجنة والنار).
* وفيه استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده، لما وقع منه صلى الله عليه و سلم في إجابته مشورة موسى عليه السلام في سؤال التخفيف.
* وفيه فضيلة الاستحياء وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وإن لم يستشر الناصح في ذلك (فتح الباري).
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 235 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391