إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٥
ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات.
ثم رفع لي البيت المعمور، [يدخله كل يوم سبعون ألف ملك] (1)، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك.
ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جريت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جريت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي و خففت عن عبادي (2).

(١) ما بين الحاصرتين من (الأصلين) وليس في رواية البخاري التي نحن بصددها.
(٢) (فتح الباري): ٧ / ٢٥٥ - ٢٥٧، كتاب مناقب الأنصار، باب (٤٢) حديث رقم (٣٨٨٧).
(المعراج) بكسر الميم، وحكي ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد، وقد اختلف في وقت المعراج، فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال، [ذكرها الحافظ في (الفتح): ٧ / ٢٥٧، وما بعد ها].
قوله: (عن مالك بن صعصعة) أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من بني النجار، ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك، [له ترجمة في (تهذيب التهذيب): ١٠ / ١٦، ترجمة رقم (٢٢) قال الحافظ ابن حجر: نسبه ابن سعد فقال: مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار].
قوله (في الحطيم وربما قال في الحجر) هو شك من قتادة، كما بينه أحمد عن عفان عن همام ولفظه: (بينا أنا نائم في الحطيم)، وربما قال قتادة: (في الحجر)، والمراد بالحطيم هنا الحجر، وأبعد من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم، هل هو الحجر أم لا؟ لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع فيها ذلك، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها، وقد تقدم في أول بدء الخلق بلفظ: (بينا أنا عند البيت)، وهو أعم.
وفي حديث أم هانئ عند الطبراني: أنه بات في بيتها، قال: (ففقدته من الليل فقال:
إن جبريل أتاني). والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيتها، فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق.
قوله صلى الله عليه وسلم: (مضطجعا) زاد في بدء الخلق: (بين النائم واليقظان) وهو محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في التوحيد في آخر الحديث: (فلما استيقظت)، فإن قلنا بالتعدد، فلا إشكال، وإلا حمل على أن المراد باستيقظت: أفقت، أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال، بمشاهدة الملكوت، ورجع إلى العالم الدنيوي.
قوله: (من نغره) بضم المثلثة وسكون المعجمة، وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين.
قوله: (إلى شعرته) بكسر المعجمة، أي شعر العانة، وفي رواية مسلم: (إلى أسفل بطنه)، وفي بدء الخلق: (من النحر إلى مراق بطنه).
قوله: (من قصة) بفتح القاف وتشديد المهملة، أي رأس صدره.
وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به.
وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة)، ولكل منهما حكمة، فالأولى عن طفولته صلى الله عليه وسلم لاستخراج حظ الشيطان، والثانية عن إرادة العروج إلى السماء، ليتأهب للمناجاة، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شئ من ذلك. قال القرطبي في (المفهم): لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فغسل قلبي) قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة، لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض.
قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلب صلى الله عليه وسلم - مع القدرة على أن يمتلئ إيمانا وحكمة بغير شق - الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطي برؤية شق بطنه، وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا، ولذلك وصف بقوله: (ما زاغ البصر وما طغى) واختلف هل كان شق الصدر وغسله مختصا به صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره من الأنبياء؟ فقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أتيت بدابة) قيل: الحكمة في الإسراء به صلى الله عليه وسلم راكبا مع القدرة على طي الأرض له، إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يختص به، يبعث إليه بما يركبه.
قوله: (دون البغل وفوق الحمار أبيض) كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا، أو بالنظر للفظ البراق، والحكمة لكونه بهذه الصفة الإشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بداية لا توصف بذلك في العادة (فتح الباري).
قوله: (فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم) هذا يوضح أن الذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار، أي هو البراق، وقع بالمعني، لأن أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة.
قوله: (يضع خطوه) بفتح المعجمة أوله: المرة الواحدة، وبضمها: الفعلة.
قوله: (عند أقصى طرفه) بسكون الراء وبالفاء، أي نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره.
قوله: (حتى أتى السماء الدنيا) ظاهرة أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء،
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 235 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391