إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ٢٢٤
صلى الله عليه وسلم: يا موسى! قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام (1).
وقد انتقد الحافظ أبو محمد أحمد بن علي بن حزم، رحمه الله [تعالى]، حديث شريك، هذا فقال: وما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، ثم عليه في تخريجه الوهم، مع اتفاقهما، وحفظهما، وصحة معرفتهما،

(١) (فتح الباري): ١٣ / ٥٨٤ - ٥٨٥، كتاب التوحيد، باب (٣٧) ما جاء في قوله الله عز وجل:
(وكلم الله موسى تكليما)، حديث رقم (٧٥١٧)، قوله: (فاستيقظ وهو في المسجد الحرام)، قال القرطبي: يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الإسراء، لأن إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنما كان في بعضها، ويحتمل أن يكون المعنى أفقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهدة الملأ الأعلى، لقوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، فلم يرجع إلى حال بشريته صلى الله عليه وسلم إلا وهو بالمسجد الحرام.
وأما قوله في أوله: (بينا أنا نائم)، فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه.
وفي قوله في الرواية الأخرى: (بينا أنا بين النائم واليقظان أتاني الملك) إشارة إلى أنه لم يكن استحكم في نومه.
وهذا كله ينبني على توحيد القصة. وإلا فمتى حملت على التعدد، بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة، فلا يحتاج ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: قيل: اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنه أول من تلقاه عند الهبوط، ولأن أمته أكثر من أمة غيره، ولأن كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن وتشريعا وأحكاما، أو لأن أمة موسى كانوا كلفوا من الصلاة ما ثقل عليهم. فخاف على أمة محمد مثل ذلك، وإليه الإشارة بقوله: (فإني بلوت بني إسرائيل)، قاله القرطبي.
وأما قول من قال: إنه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح، لأن حديث مالك بن صعصعة أقوى من هذا، وفيه: أنه لفيه في السماء السادسة.
وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة، وصعد موسى إلى السابعة، فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال، وبطل الرد المذكور والله تعالى أعلم. (فتح الباري).
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست