بالإنصاف، غير متعصبين لفرقة، لم يسلكا في تصنيفهما ما سلكه المصنفون قبلهما أو بعدهما، من نصرة مذهب واحد، وإنما نصر الصحيح وأخرجاه، ولذلك رفع الله عز وجل كتابيهما، وجعلهما حجة بين المسلمين، لما علم من صدق نيتهما في ذلك، ولو سلكا طريق التعصب، لخرجا عن حيز التحكيم، لأن شرط الحكم أن ينصف بين الخمصين، ورأينا الفرق قاطبة تحتج بما أخرجاه، [ويلتزم] الخصم ذلك من خصمه، فصح بذلك ما قلناه.
قال جامعه ومؤلفه [عفى الله عنه]: في كلام ابن طاهر هذا تحامل على الحميدي، فإنه لم يرد قط أن البخاري ومسلما، خرجا الحديثين لغرض سئ، لكن أعلم أنهما - ومكانهما من العلم مكانهما - أخرجا ذلك مع ما فيهما [مما] ينتقد، لشئ من الأشياء قصداه، لا أنهما خفى عليهما ما ظهر لغير هما، والحميدي لا يخفى عليه البتة شئ مما ذكره ابن طاهر، من جميل مقصد البخاري ومسلم فيما أخرجاه في صحيحيهما، والله تعالى الموفق.
قال ابن طاهر: إن كلامه في شريك، شئ لم يسبقه إليه أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل قبلوه، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، ثم ذكر عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ليس به بأس، وذكر عن ابن [عدي] أنه قال: شريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عن نفسه فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروي عن ضعيف، ثم قال: فحكم ابن عدي، أن الآفة إنما تأتينا من الراوي عنه، والراوي عنه هذا الحديث سليمان بن بلال، أحد ثقات أهل المدينة، ومن عدله مالك فمن بعده من الأئمة، لا يسمع فيه قول المتأخر بحال، فلما ثبتت عدالته، خرج عما قاله ابن حزم، وأن الآفة ليست