موجدهم تقدس وتعالى.
وآخرون آتاهم الله تعالى من هذا الاستعداد دون ما أتى من ذكرنا، فاحتاجوا إلى أن يدعوا إلى الله ويدلوا على الطريق إليه، وهم الذين دخلوا في الدين الإسلام من المهاجرين والأنصار، وقصر هذا الاستعداد في قلوب آخرين حتى احتاجوا في دخولهم في الإيمان إلى أن أظهر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من آياته ومعجزاته ما قادهم إلى الإيمان به طوعا، وانحط فريق عن هذه الرتب لضعف الاستعداد عندهم لقبول الهدى، فلم يدخلوا فيه إلا كرها من تحت السيف، كمسلمة الفتح الذين قيل لهم:
" الطلقاء " (1).
وعدمت طوائف من الناس هذا الاستعداد جملة فشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى وعاندوا الحق بعد ما وضح، وصدوا عن سبيل الله من آمن به، وبذلوا جهدهم في إطفاء نور الله - رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى ماتوا وهم كافرون من أجل أنه لم يكن فيهم من الاستعداد المهيئ لقبول الهدى شئ، قل ولا جل، بل كانوا في ورود الهدى عليهم بمنزلة الأرض الخبيثة التي أحاطت ماء الغيث العذب الطهور إلى السباخ الردئ، وبمنزلة من به آفة في معدته من خلط ردئ، (فأحالت) (2) أطيب المآكل وأنفعها سمعا مهلكا وداءا عياءا.
وانظر - رحمك الله - إلى الآية الواحدة من كتاب الله تعالى فإنها ترد على الأسماع، فواحد يفهم أمرا واحدا، وآخر لا يفهم منها ذلك الأمر بل يفهم أمرا آخر، وآخر يفهم منها أمورا كثيرة، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها، فالآية واحدة العين، والسامعون لها مختلفون في القبول، وذلك لاختلاف استعداد أفهامهم فيها.
واوع سمعك أمثالا أفصلها مما قد ألفته من المحسوسات: منها أن الشمس تبسط أنوارها على الموجودات كلها فتقبل المحال ذلك النور على قدر الاستعداد، فالجسم