وقال: ﴿يا زكريا إنا نبشرك بغلام﴾ (١)، وقال: ﴿يا يحيى خذ الكتاب﴾ (٢)، فلم يخاطب أحدا منهم ولا أخبر عنه إلا باسمه، وكل موضع ذكر فيه محمدا صلى الله عليه وسلم أضاف إليه ذكر الرسالة، فقال تعالى: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل﴾ (٣)، وقال: ﴿محمد رسول الله﴾ (٤)، وقال: ﴿ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله﴾ (٥)، وقال: ﴿وآمنوا بما أنزل على محمد وهو الحق من ربهم﴾ (٦)، فسماه ليعلم من جحده أن أمره وكتابه هو الحق، ولأنهم لم يعرفوه إلا بمحمد، فلو لم يسمه لم يعلم اسمه من الكتاب، وكأن تسمية الله له بمحمد زيادة في جلالة قدره وتنبيها على مزيد شرفه، لأن اسمه عليه السلام مشتق من اسم الله تعالى، كما مدحه به عمه أبو طالب بقوله:
وشق له من اسمه ليجعله * فذو العرش محمود وهذا محمد ولما جمع الله تعالى بين ذكر محمد وإبراهيم عليهما السلام، سمى خليله باسمه وكني حبيبه محمدا بالنبوة فقال تعالى: ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾ (٧)، فأبان سبحانه بذلك عن شرف مقدار محمد صلى الله عليه وسلم وعلو رتبته عنده، ثم قدمه الله عز وجل في الذكر على من تقدمه في البعث، قال تعالى: ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب....﴾ (٨)، إلى قوله: ﴿وآتينا داود زبورا﴾ (٩)، وقال تعالى: ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم﴾ (١٠) الآية، وقد روى من طرق عن سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح﴾ (11)، قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، فانظر كيف خاطب الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة، ولم يخاطب غيره من الأنبياء إلا باسمه، إلا أن يكون محمدا صلى الله عليه وسلم في جملتهم فيشركهم معه