إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ١٠٠
والنسائي (1) من حديث سويد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب فمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءا ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه معاني دين الله ونفعه بما بعثني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
اللفظ لمسلم، ذكره في كتاب المناقب، وذكره البخاري في كتاب العلم وقال فيه:
كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء، وقال فيه: فشربوا وسقوا وزرعوا، وقال فيه: ونفعه بما بعثني الله، وقال بعده: قال إسحاق: وكان منها طائفة قبلت الماء قاع يعلوه الماء.

(1) لم أجده في (النسائي) بهذه السياقة، لكن أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي موسى الأشعري، ضمن حديث طويل أوله: عبد الله حدثني أبي، حدثني عبد الله بن محمد - وسمعته أنا من عبد الله بن محمد - حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: " ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة، وقال: احترق بيت بالمدينة على أهله، فحدث النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم فقال: إنما هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم فأطفؤوها عنكم، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم... " وساق الحديث بنحو سياقه البخاري ومسلم.
(مسند أحمد): 5 / 544، حديث رقم (19076).
قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين، مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها.
ومنهم الجامع للعلم، المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع به الناس.
ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه، ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.
وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المجودتين، لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفراد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. (الأمثال في الحديث النبوي): 378 - 379، حديث رقم (326) والتعليق عليه.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست