ومضمض منه وصب لنا في إداوة ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعكم وانضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا: إن البلد [بعيد] (1) والحر شديد والماء ينشف، قال: فأمدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، قال: فخرجنا وتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها؟ فجعلها نبي الله (صلى الله عليه وسلم) بيننا نوبا، على كل رجل يوما وليلة، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، ففعلنا الذي أمرنا به النبي (صلى الله عليه وسلم) - وراهبنا يومئذ من طئ - فأذنا، فقال الراهب لما سمع الأذان:
دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا (2) ثم هرب فلم ير بعد (3).
وللطبراني من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: أخبرني الفلتان بن عاصم قال:
كنا قعودا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد فشخص بصره إلى رجل يمشي في المسجد فقال: أفلان، قال: لبيك يا رسول الله - ولا ينادي الكلام إلا قال برسول الله - فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا! قال: أتقرأ في التوراة؟
قال: نعم، قال: والإنجيل؟ قال: نعم، قال: والقرآن؟ قال: لا، قال: والذي نفسي بيده لو تشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ فقال:
سأحدثك مثلك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجوا أن تكون منا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس هو أنت! قال: فلم ذاك، قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير، قال: فوالذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي، وانهم لأكثر من سبعين ألفا، وقد بشر برسول الله (صلى الله عليه وسلم) كعب بن لؤي بن غالب كما ستراه في أخباره.
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن جدعان عن سعيد بن المسيب قال:
بينما العباس في زمزم إذ جاء كعب الأحبار فقال له العباس: ما منعك أن تسلم في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر حتى أسلمت الآن في عهد عمر رضي الله عنهم؟