وقال قتادة عن كعب الأحبار: كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض بابل، رؤيا بختنصر، فإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصها علينا، قال: قد نسيتها! فأخبروني بتأوليها، قالوا: فإنا لا نقدر حتى تقصها علينا، فغضب وقال:
اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، اذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم! وشاع ذلك في الناس، فبلغ دنيال وهو محبوس، فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك؟ فإن عندي [تأويل] (1) رؤياه، وإني أرجو أن تنال عنده بذلك منزلة، ويكون سبب عافيتي، قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده في هذه الرؤيا علم فأنت هو، قال دانيال: لا تخف علي فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن فأخبر بختنصر بذلك، فدعا دانيال فأدخل عليه - وكان لا يدخل عليه أحد إلا سجد - فوقف دانيال فلم يسجد، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بختنصر لدانيال: ما منعك أن تسجد لي؟ قال دانيال: إن لي ربا آتاني هذا العلم الذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني هذا العلم، ثم أصير في يدك أميا لا ينتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه، فتركت السجود نظرا إلى ذلك، فقال بختنصر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، أعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم العهد، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت، قال نعم عندي علمها وتفسيرها، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته، قذفه الله بحجر من