وهو يقول لك: أرسل إلى الرجل الذي كان قبلك أميرا، قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل وله فيكم حسب، وقد سمعنا أن ذوي الأحساب أفضل عقولا من غيرهم، فنخبره بما نريد، ونسأله عما تريدون، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك وحمدنا الله عليه، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم فإن القتال من وراء ما هناك.
فدعا أبو عبيدة خالدا فأخبره بالذي جاء فيه الرومي وقال لخالد: ألقهم فادعهم إلى الإسلام، فإن قبلوا وإلا فافرض عليهم الجزية، فإن أبوا فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال: وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس فلم يمكث إلا يسيرا حتى حضرت الصلاة فقام المسلمون يصلون، فلما قضوا صلاتهم قال خالد للرومي: قد غشينا الليل، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء الله، فارجع إليه فأعلمه.
فجعل المسلمون ينتظرون الرمي أن يقوم إلى صاحبه فيرجع إليه ويخبره بما اتعدوا عليه، فأخذ الرومي لا يبرح وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون فيدعون الله ويتضرعون إليه، ثم أقبل على أبي عبيدة فقال: أيها الرجل! متى دخلتم هذا الدين ومتى دعوتم الناس إليه؟ فقال: منذ بضع وعشرين سنة، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول، ومنا من أسلم بعد ذلك.
فقال: هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول؟ قال: لا، ولكن أخبرنا أنه لا نبي بعده، وأخبرنا أن عيسى ابن مريم قد بشر به قومه، قال الرومي، وأنا على ذلك من الشاهدين، وأن عيسى قد بشرنا براكب الجمل، وما أظنه إلا صاحبكم، فأخبرني هل قال صاحبكم في عيسى شيئا؟ وما قولكم أنتم فيه؟.
قال أبو عبيدة: قول صاحبنا هو قول الله وهو أصدق القول وأبره: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (1)، وقال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) (2) إلى قوله: (ولا الملائكة المقربون).