وقال سيف بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة، قال: فلما أراد القفول إلى المدينة في ذي الحجة منها خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا (1) بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغناكم ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأنا لكم، ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم أطعماتكم، وأمرنا لكم بأعطياتكم وأرزاقكم ومغانكم. فمن علم شيئا ينبغي العمل به فليعلمنا نعمل به إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. قال وحضرت الصلاة فقال الناس: لو أمرت بلالا فأذن؟ فأمره فأذن فلم يبق أحد كان أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن جرير في هذه السنة من طريق سيف بن عمر عن أبي المجالد أن عمر بن الخطاب بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله إلى الحمام، وتدلكه بعد النورة بعصفر معجون بخمر، فقال في كتابه: إن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الاثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس، فإن فعلتم فلا تعودوا. فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر. فكتب إليه عمر: إني أظن أن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه فانتهى لذلك.
قال سيف: وأصاب أهل البصرة تلك السنة طاعون أيضا فمات بشر كثير وجم غفير، رحمهم الله ورضي الله عنهم أجمعين. قالوا: وخرج الحارث بن هشام في سبعين من أهله إلى الشام فلم يرجع منهم إلا أربعة. فقال المهاجر بن خالد في ذلك:
من يسكن الشام يعرس به * والشام إن لم يفننا كارب أفنى بني ريطة فرسانهم * عشرون لم يقصص لهم شارب ومن بني أعمامهم مثلهم * لمثل هذا يعجب العاجب طعنا وطاعونا مناياهم * ذلك ما خط لنا الكاتب كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا قال ابن جرير: وفي هذه السنة أدرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم، أي سلكا درب الروم وأغارا عليهم، فغنموا أموالا عظيمة وسبيا كثيرا. ثم روى من طريق سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع وأبي المجالد. قالوا: لما رجع خالد ومعه أموال جزيلة من الصائفة انتجعه