عبد الله بن سعد فقال: لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين، ولقوا العدو فكانا أنكل المسلمين قتالا، فقيل لهما في ذلك فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه؟ فأرسل إليهما عبد الله بن سعد فنهاهما أشد النهي وقال: والله لولا لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحسبتكما. قال الواقدي وفي هذه السنة فتحت أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة. وفي هذه السنة قتل كسرى ملك الفرس.
كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجرد قال ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل من بعض أهلها مالا فمنعوه وخافوه على أنفسهم، فبعثوا إلى الترك يستفزونهم عليه، فأتوه فقتلوا أصحابه وهرب هو حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحية على شط، فأوى إليه ليلا، فلما نام قتله. وقال المدائني: لما هرب بعد قتل أصحابه انطلق ماشيا عليه تاجه ومنطقته وسيفه، فانتهى إلى منزل هذا الرجل الذي ينقر الأرحية فجلس عنده فاستغفله وقتله وأخذ ما كان عليه، وجاءت الترك في طلبه فوجدوه قد قتله وأخذ حاصله، فقتلوا ذلك الرجل وأهل بيته واخذوا ما كان مع كسرى، ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه إلى إصطخر، وقد كان يزدجرد وطئ امرأة من أهل مرو قبل أن يقتل فحملت منه ووضعت بعد قتله غلاما ذاهب الشق وسمى ذلك الغلام المخدج، وكان له نسل وعقب في خراسان، وقد سبى قتيبة بن مسلم في بعض غزواته بتلك البلاد جاريتين من نسله، فبعث بإحداهما إلى الحجاج، فبعث بها إلى الوليد بن عبد الملك فولدت له ابنه يزيد بن الوليد الملقب بالناقص. وقال المدائني في رواية عن بعض شيوخه: إن يزدجرد لما انهزم عنه أصحابه عقر جواده وذهب ماشيا حتى دخل رحى على شط نهر يقال له المرغاب فمكث فيه ليلتين والعدو في طلبه فلم يدر أين هو، ثم جاء صاحب الرحى فرأى كسرى وعليه أبهته، فقال له: ما أنت؟ إنسي أم جني؟ قال: إنسي، فهل عندك طعام؟ قال: نعم! فأتاه بطعام فقال: إني مزمزم فأتني بما أزمزم به، قال: فذهب الطحان إلى أسوار من الأساورة فطلب منه ما يزمزم به، قال: وما تصنع به؟
قال: عندي رجل لم أر مثله قط وقد طلب مني هذا، فذهب به الأسوار إلى ملك البلد - مرو واسمه ماهويه بن باباه - فأخبره خبره، فقال هو يزدجرد، اذهبوا فجيئوني برأسه، فذهبوا مع الطحان فلما دنوا من دار الرحى هابوا أن يقتلوه وتدافعوا وقالوا للطحان ادخل أنت فاقتله، فدخل فوجده نائما فأخذ حجرا فشدخ به رأسه ثم احتزه فدفعه إليهم وألقى جسده في النهر، فخرجت العامة إلى الطحان فقتلوه، وخرج أسقف فأخذ جسده من النهر وجعله في تابوت وحمله إلى إصطخر فوضعه في ناووس، ويروى أنه مكث في منزل ذلك الطحان ثلاثة أيام لا يأكل حتى رق له وقال له: ويحك يا مسكين ألا تأكل؟ وأتاه بطعام فقال: إني لا أستطيع أن آكل إلا بزمزمة، فقال له: كل وأنا أزمزم لك، فسأل أن يأتيه بمزمزم، فلما ذهب يطلب له من بعض الأساورة شموا