أو قال لعلي بن أبي طالب: يا أبا الحسن! أغلبتم يا بني عبد مناف عن الامرة؟ فقال له علي:
أمغالبة تراها أو خلافة؟ فقال لا يغلب على هذا الامر أولى منكم. فقال له عمر بن الخطاب:
أسكت فض الله فاك، والله لا تزال كاذبا تخوض فيما قلت ثم لا تضر إلا نفسك. وأبلغها عمر أبا بكر فلم يتأثر لها أبو بكر. ولما اجتمع عند الصديق من الجيوش ما أراد قام في الناس خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله، ثم حث الناس على الجهاد فقال: ألا لكل أمر جوامع، فمن بلغها فهي حسبه، ومن عمل لله كفاه الله، عليكم بالجد والقصد فإن القصد أبلغ، ألا إنه لا دين لاحد لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا خشية له (1)، ولا عمل لمن لا نية له، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به (2)، هي النجاة (3) التي دل الله عليها، إذ نجى بها من الخزي، وألحق بها الكرامة [في الدنيا والآخرة] (4).
ثم شرع الصديق في تولية الامراء وعقد الألوية والرايات، فيقال إن أول لواء عقده لخالد بن سعيد بن العاص (5)، فجاء عمر بن الخطاب فثناه عنه وذكره بما قال. فلم يتأثر به الصديق كما تأثر به عمر، بل عزله عن الشام وولاه أرض " تيماء " يكون بها فيمن معه من المسلمين حتى يأتيه أمره.
ثم عقد لواء يزيد بن أبي سفيان ومعه جمهور الناس، ومعه سهيل بن عمرو، وأشباهه من أهل مكة، وخرج معه ماشيا يوصيه بما اعتمده في حربه ومن معه من المسلمين، وجعل له دمشق.
وبعث أبا عبيدة بن الجراح على جند آخر، وخرج معه ماشيا يوصيه، وجعل له نيابة حمص.
وبعث عمرو بن العاص ومعه جند آخر وجعله على فلسطين. وأمر كل أمير أن يسلك طريقا غير طريق الآخر، لما لحظ في ذلك من المصالح. وكان الصديق اقتدى في ذلك بنبي الله يعقوب حين قال لبنيه (* يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون) * [يوسف: 67]. فكان سلوك يزيد ابن أبي سفيان على تبوك. قال المدائني بإسناده عن شيوخه قالوا: وكان بعث أبي بكر هذه الجيوش في أول سنة ثلاث عشرة. قال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان: خرج أبو بكر ماشيا ويزيد ابن أبي سفيان راكبا فجعل، يوصيه، فلما فرغ قال: أقرئك السلام وأستودعك الله، ثم انصرف ومضى يزيد وأجد السير. ثم تبعه شرحبيل بن حسنة، ثم أبو عبيدة مددا لهما، فسلكوا غير ذلك الطريق. وخرج عمرو بن العاص حتى نزل العرمات (6) من أرض الشام. ويقال إن يزيد بن أبي