فأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من كنانة وتهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم حتى نزلوا إلى جنب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فجعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف فنزل هناك، ورفع الذراري والنساء في الآطام. وخرج حمي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد سيد قريظة وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأغلق كعب حصنه ولم يأذن له وقال: إنك امرؤ مشؤم وقد عاهدت محمدا ولم أر منه إلا الوفاء. قال حي: يا كعب قد جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش وقادتها وسادتها، وغطفان بقادتها وقد عاهدوني أنهم لا يبرحون حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه. قال كعب: جئتني بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه يرعد وتبرق وليس فيه شيء، ويحك يا حيي! دعني [ومحمدا]. ولم يزل به يفتله في الذروة والغارب حتى حمله على الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم ففعل ونكت العهد، وعاهده حمي إن عادت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ونجم النفاق من بعض المنافقين، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون عليه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي [بالنبل].
فلما اشتد البلاء بعت رسول الله صلى الله عليه وسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري قائدي غطفان فأعطاهما ثلث ثمار