أيام محمد الأمين وبويع لمحمد الأمين بن هارون الرشيد، وأمه أم جعفر بنت جعفر بن المنصور، ولم يكن في الخلفاء هاشمي الأبوين غير علي بن أبي طالب، ومحمد، وكانت البيعة له بطوس، في اليوم الذي توفي فيه الرشيد، وهو يوم الأحد مستهل جمادى الأولى سنة 193، وأخذ له الفضل بن الربيع بيعة من حضر من الهاشميين والقواد، وقدم رجاء الخادم إلى محمد ببغداد يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وكان ذلك من شهور العجم في آذار، وكانت الشمس يومئذ في الحمل ثلاث درجات وثلاثا وخمسين دقيقة، وزحل في القوس ست درجات وعشرين دقيقة راجعا، والمشتري في القوس ست درجات وعشرين دقيقة راجعا، والمريخ في الدلو ستا وعشرين درجة وثلاثين دقيقة، والزهرة في الحوت سبع درجات وثلاثين دقيقة، والرأس في السرطان اثنتين وعشرين درجة.
فبايع الناس في هذا اليوم ببغداد، وخرج إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس، فصعد المنبر، فحمد الله وصلى على محمد، ثم قال: نحن أعظم الناس رزيئة وأحسن الناس بقية، رزئنا رسول الله، فلم يكن أحد أشد رزءا منا، وعوضنا خلفا ابنه، فمن ذا له مثل عوضنا؟ ثم نعاه إلى الناس، وذكرهم العهد، ثم نزل. فلما كان يوم الجمعة صعد محمد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد، وذكر ما فضله الله به، ثم قال: وأفضت خلافة الله وميراث نبيه إلى أمير المؤمنين الرشيد، فعمل بالحق، وساس بالعدل، وحج بيت الله، وجاهد في سبيل الله، وبذل مهجته في طاعة الله، وباشر الجهاد طلبا لرضى الله جل وعز، حتى أعز الله دينه، ثم دنياه، وأقام حقه، ووقم العدو، وآمن السبل، ونصح العباد، وعمر البلاد، وقد اختار الله له ما عنده، وأكرمه