وحفرت زمزم، فنزل فيها عدة أذرع، فكان الماء زاد يسيرا، وكان مقدار رشاء زمزم ثماني عشرة ذراعا، فحفر فيها تسع أذرع ليزيد، فكان أول ما حفر في زمزم.
واجتمع عند الرشيد عمه، وعم أبيه، وعم جده، سليمان بن جعفر عمه، والعباس بن محمد عم أبيه، وعبد الصمد بن علي عم جده، فقال عبد الصمد بن علي: احمد الله، يا أمير المؤمنين، على نعمه عليك، فقد جمع لك ما لم يجمع لخليفة قبلك، ثم جمع لك عمك، وعم أبيك، وعم جدك.
وكان الغالب على الرشيد يحيى بن خالد بن برمك، وجعفر والفضل ابناه، صدرا من خلافته حتى ما كان له معهم أمر ولا نهي، فأقاموا على تلك الحال وأمور المملكة إليهم سبع عشرة سنة، ثم كان الفضل بن الربيع يغلب عليه، وإسماعيل بن صبيح، وعلى شرطه القاسم بن نصر بن مالك، ثم عزله وولى خزيمة بن خازم، ثم عزله وولى المسيب بن زهير الضبي، ثم عزله واستعمل عبد الله بن مالك، ثم عزله واستعمل علي بن الجراح الخزاعي، ثم عزله واستعمل عبد الله بن خازم، وكان على حرسه جعفر بن محمد بن الأشعث، ثم عزله واستعمل عبد الله بن مالك، ثم هرثمة بن أعين، وكان حاجبه الفضل ابن الربيع.
وخرج هارون إلى خراسان في شعبان سنة 192، فنزل قرماسين، فصار بها شهر رمضان وضحى بالري، فلما صار إلى جرجان كتب إلى عيسى بن جعفر بالخروج إليه، فخرج إليه عيسى، فلما صار في بعض الطريق توفي.
فحدثني شيخ من آل المهلب كان مع عيسى بن جعفر قال: دخلنا إليه يوما، وقد اشتدت علته، فسمعناه يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهبت والله نفسي! فقلنا له: إنك بحمد الله اليوم صالح. فقال: إني دققت ما يخرج من أذني، فوجدته رميما، حتى أغمي عليه، وسمع النساء بكاء الرجال، فغلبن الخدم، وخرجن، فأفاق ورفع رأسه، فنظر إليهن وقال: