قدوم الأنصار مكة وكانت الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة أهل عز ومنعة في بلادهم حتى كانت بينهم الحروب التي أفنتهم في أيام لهم مشهورة منها يوم الصفينة وهو أول يوم جرت الحرب فيه ويوم السرارة ويوم وفاق بني خطمة ويوم حاطب ابن قيس ويوم حضير الكتائب ويوم أطم بني سالم ويوم أبتروه ويوم البقيع ويوم بعاث ويوم مضرس ومعبس ويوم الدار ويوم بعاث الآخر ويوم فجار الأنصار، وكانوا ينتقلون في هذه المواضع التي تعرف أيامهم بها ويقتتلون قتالا شديدا.
فلما ضرستهم الحرب وألقت بركها عليهم وظنوا أنها الفناء، واجترأت عليهم بنو النضير وقريظة وغيرهم من اليهود خرج قوم منهم إلى مكة يطلبون قريشا لتقويهم، وعزوا فاشترطوا عليهم شروطا لم يكن لهم فيها مقنع، وكان المشترط عليهم أبو جهل بن هشام المخزومي، وقد قيل إن قريشا قد كانت أجابتهم حتى قدم أبو جهل من سفر له وكان غائبا فنقض الحلف واشترط عليهم شروطا لم يقنعوا بها. ثم صاروا إلى الطائف فسألوا ثقيفا فأبطأوا عنهم فانصرفوا.
وقدم رجل منهم بعد مبعث رسول الله يقال له سويد بن الصامت من الأوس حاجا أو معتمرا فبلغه أمر رسول الله فلقيه وكلمه فدعاه رسول الله إلى الله. فقال له سويد: إن معي مجلة لقمان. قال: فاعرضها علي، فعرضها عليه. فقال رسول الله: إن هذا الكلام لحسن، والذي معي أحسن منه: كلام الله، وقرأ عليه. فقال: يا محمد إن هذا الكلام حسن. ثم انصرف إلى المدينة، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، ثم قدم نفر منهم أيضا إلى مكة، وهم بنو عفراء، يتفاخرون مع أسعد بن زرارة، فلقيهم رسول الله ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال رجل منهم يقال له إياس بن معاذ: يا قوم هذا والله النبي الذي