بلقائه، فعند الله نحسبه، وإياه نسأل حسن الخلافة من بعده، والمعونة على ما حملني من أمركم، وأرغب إليه في التسديد والتوفيق لما يرتضيه فيكم. ثم حض على الطاعة، وأمر بالمناصحة، ونزل.
وقدم الفضل بن الربيع الخزائن وبيوت الأموال، ووصية الرشيد، مستهل جمادى الآخرة، وكان محمد بن هارون قد أمر بإظهار الحج، فقال له الفضل ابن الربيع: إن أباك أمرني أن أقول لك إنه لن يحج بعدي أحد من خلفاء بني العباس. فأقام، وحجت أمه أم جعفر معتمرة شهر رمضان، وقد كانت تقدمت في حفر عين المشاش في أيام الرشيد، فقدمت مكة، وقد فرغ منها، فبنت المصانع، وجعلت الحياض والسقايات، ووجه محمد بعشرين ألف مثقال ذهبا، فجعلت صفائح على باب الكعبة ومسامير الباب والعتبة.
وأخرج عبد الملك بن صالح من الحبس، وولاه جميع ما كان إليه من الجزيرة، وجند قنسرين، والعواصم، والثغور، ورد عليه أمواله وضياعه، ودفع إليه ابنه عبد الرحمن، وكاتبه قمامة، فحبس قمامة في حمام قد أحكم، وأوقد أشد وقود، وطرح معه سنانير، فلم يزل فيه حتى مات، وحبس ابنه فلم يزل محبوسا.
وقال عبد الملك حين أخرج من الحبس، وذكر ظلم الرشيد له: والله إن الملك لشئ ما نويته، ولا تمنيته، ولا قصدت إليه، ولا ابتغيته، ولو أردته لكان أسرع إلي من السيل إلى الحدور، ومن النار إلى يابس العرفج، وإني لمأخوذ بما لم أجن، ومسؤول عما لا أعرف، ولكنه والله حين رآني للملك قمنا، وللخلافة خطرا، ورأى لي يدا تنالها إذا مدت، وتبلغها إذا بسطت، ونفسا تكمل لخصالها، وتستحقها بخلالها، وإن كنت لم أختر تلك الخصال، ولا اصطنعت تلك الخلال، ولم أترشح لها في سر، ولا أشرت إليها في جهر، ورآها تحن إلى حنين الوالدة، وتميل إلي ميل الهلوك، وخاف أن تنزع إلى أفضل منزع، وترغب في خير مرغب، عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها،