ونصب في التماسها، وتفرد لها بجهده، وتهيأ لها بكل وسعه، فإن كان إنما حبسني على أني أصلح لها وتصلح لي، وأليق بها وتليق بي، فليس ذلك بذنب فأتوب منه، ولا تطاولت إليه فأحط نفسي عنه، وإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من عذابه، إلا بأن أخرج له من الحكم، والعلم، والحزم، والعزم، فكما لا يستطيع المضيع أن يكون حافظا كذا لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلا، وسواء عليه عاقبني على عقلي أم عاقبني على طاعة الناس لي، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير، وشغلته عن التدبير، ولم يكن لما كان من الخطاب إلا اليسير، ومن بذل المجهود إلا القليل.
وأخرج علي بن عيسى بن ماهان من الحبس، ورد عليه أمواله، وولاه شرطته، وقدمه وآثره.
وولى أسد بن يزيد بن مزيد أرمينية، فقدمها، وقد غلب على ناحية من البلد يحيى بن سعيد الملقب كوكب الصبح، وإسماعيل بن شعيب مولى مروان ابن محمد بن مروان، وكانا بناحية جرزان، فاحتال لهما حتى أخذهما، ثم من عليهما، وخلى سبيلهما، وكان حسن السيرة سخيا، ثم عزله محمد وولى أرمينية إسحاق بن سليمان الهاشمي، فوجه إليها ابنه الفضل خليفة له، ولم يزل الفضل بها أيام المخلوع.
وولى محمد بن سعيد بن السرح الكناني اليمن، وكان من أهل فلسطين، فأقام بها ثلاث سنين، ثم عزله وولى جرير بن يزيد البجلي، فخرج سعيد بن السرح من اليمن بأموال عظام، حتى صار إلى فلسطين، فاتخذ الدور والضياع، فلم يزل جرير بن يزيد على اليمن حتى بويع للمأمون.
وقد وجه الرشيد هرثمة بن أعين في جيش إلى رافع بن الليث إلى سمرقند، وقد استكثف جمع رافع، واستمال أهل الشاش وفرغانة، وأهل خجندة واشروسنة والصغانيان وبخاري وخوارزم وختل وغيرها من كور بلخ وطخارستان والسغد، وما وراء النهر، والترك والخرلخي والتغزغز وجنود التبت وغيرهم،