أيام محمد المهتدي بن هارون الواثق بالله واجتمع القواد على أنه ليس في أولاد الخلفاء أفضل ولا أعقل من محمد بن الواثق، وأمه أم ولد يقال لها قرب، وكان ممن أشخص إلى بغداد في أيام المعتز فشخص، فلما قدم بايعوه، فاجتمعت كلمتهم عليه، وكانت البيعة له يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رجب سنة 255، وجلس للناس يوم الخميس، بعد أن بويع له، وذكر في الكتب خلع المعتز نفسه، وسماه خالع نفسه، وظهرت من المهتدي سيرة حسنة ومذاهب محمودة، وجلس للمظالم بنفسه، وباشر الأمور بجسمه، ووقع في القصص بخطه، وأبطل الملاهي، وقدم أهل العلم، وأقام يلبس اليوم الواحد لبسة، فتقيم عليه أياما كثيرة لا يغيرها.
وكان صالح وبابكباك الغالبين عليه، وأخرج صالح أحمد بن إسرائيل وعيسى ابن إبراهيم بن نوح من الحبس إلى باب العامة، فضربا حتى ماتا، وأفلت الحسن ابن مخلد، ورد أحمد بن المدبر إلى خراج مصر، فأقام تسعين يوما، ثم ورد كتاب بابكباك إلى أحمد بن طولون بإزالة ابن المدبر، ورد النظر إلى محمد بن هلال، ففعل ذلك.
ووثب أهل حمص بمحمد بن إسرائيل، فخرج هاربا، ولحقه ابن عكار، فكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن عكار، ورجع ابن إسرائيل على البلد، وأخرج قبيحة أم المعتز، وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل، وعبد الله بن المعتز إلى مكة، ثم ردوا إلى العراق.
وكتب إلى جميع المتحركين والمتغلبين بالأمان، وكتب إلى عيسى بن شيخ الربعي بمثل ذلك، وأمره بحمل ما قبله من أموال مصر وغيرها، فامتنع، فكتب إلى ابن طولون بالمسير إليه، فسار إليه، فلما صار بالعريش ورد عليه الكتاب