واستصفى أموالهم، وقبض ضياعهم، وقال: لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها، وأكثر الناس في أسباب السخط عليهم مختلفون.
وحدث إسماعيل بن صبيح، قال: بعث إلي الرشيد يوما، وهو ببغداد، فدخلت، فلم أر في المقاصير والأروقة أحدا، حتى انتهيت إليه، فقال: يا إسماعيل! هل رأيت في الدار أحدا؟ فقلت: لا، والله! قال: فطف المجالس والأروقة والمقاصير! فطفت فلم أجد أحدا، فقال: عد ثالثة! فعدت، ثم قال: خذ ذلك الكرسي! فأخذته، وخرج وفي يده عمود حتى صار إلى وسط الصحن، ثم قال: ضع الكرسي! فوضعته، فجلس عليه، والعمود في يده، ثم قال: اجلس! فأوحشت نفسي خيفة، وجلست، فقال: إني أريد أن أفشي إليك سرا، والله لئن سمعته من أحد من الناس لأضربن عنقك!
فتراجعت نفسي، وقلت: إن كنت يا أمير المؤمنين قلته لاحد، أو تقوله، فلا حاجة بي إليه. فقال: ما قلته لاحد، ولا أقوله، إني أريد أن أوقع بآل برمك إيقاعا ما أوقعه بأحد، وأجعلهم أحدوثة ونكالا إلى آخر الأبد. فقلت:
وفقك الله، يا أمير المؤمنين، وأرشد أمرك! ثم قام، فعاد، وأخذت الكرسي، فرددته، وقلت: إنما أراد أن يعرف ما عندي فيهم، فبعث بي إليهم، وكان يفعل ذلك كثيرا، ثم حال الحول، وحال حول ثان، ثم حال ثالث، فلما كان رأس الحول الرابع قتلهم، وكان قتل جعفر في صفر سنة 188 بدير العمر، وكان يحيى بن خالد قد نزل هذا الدير منصرفا من الحج، قبل أن يحل بهم الامر بحول كامل، فدخل إلى الدير الذي قتل ابنه جعفر فيه، فطافه، فظهر له قس، فقال له: مذ كم بنيت هذه البيعة؟ فقال: مذ ستمائة سنة، وهذا قبر صاحبها، فوقف على قبر عليه كتابة فقرأها، فإذا عليه:
إن بني المنذر عام انقضوا * بحيث شاد البيعة الراهب تنفح بالمسك ذفاريهم * وعنبر يقطبه القاطب