عيسى، ولم يعرف خبره بعد ذلك.
وحبس الرشيد عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي في هذه السنة، وهي سنة 188، وذلك أن ابنه عبد الرحمن، وكاتبه قمامة بن يزيد، وكان مولى لعبد الملك، رفعا عنه أنه يؤهل نفسه للخلافة، وأنه يراسل رؤساء القبائل والعشائر بالشأم والجزيرة، وكان نبيلا، فصيحا، حسن البيان، فقال: ما سبب حبسي؟
فإن كان لذنب اعترفت به، أو لبلاغ تنصلت منه، فأحضره الرشيد، فقال:
هذا ابنك عبد الرحمن يذكر ما كنت تدبره من المعصية والشقاق. فقال:
ليس يخلو ابني أن يكون مأمورا معذورا، أو عدوا محذورا، وقد قال الله تعالى: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم، فاحذروهم، قال: فهذا قمامة بن يزيد كاتبك يذكر مثل ذلك، وقد سأل أن يجمع بينه وبينك. قال:
من كذب علي، وأشاط بدمي لغير مأمون أن يبهتني.
وحدثني بعض أشياخنا قال: أخرج الرشيد يوما عبد الملك بن صالح بن علي، فأقبل عليه، فقال: كأني أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وإلى الوعيد قد أورى نارا، فأقلع عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم، فمهلا مهلا بني هاشم! لا تستوعروا السهل وتستسهلوا الوعر، ولا تبطروا النعم وتستجلبوا النقم، فعن قليل يذم ذو الحكم رأيه، وينكص ذو الحزم على عقبيه، وتستبدلون الذل بعد العز، والخوف بعد الامن. فقال عبد الملك: أفذا أتكلم أم توأما، يعني واحدا أو اثنين؟ فقال: بل فذا!
قال: فخف الله فيما ولاك، واحفظه في رعاياك التي استرعاك، ولا تجعل الكفر موضع الشكر، ولا العقاب بدل الثواب، ولا تقطع رحمك التي أوجب الله عليك، وألزمك حقها، ونطق الكتاب بأن عقوقها كفر، واردد الحق على محقه، ولا تصرف الحق إلى غير أهله، فلقد جمعت عليك الألسن بعد افتراقها، وسكنت القلوب بعد نفارها، وشددت أواخي ملكك بأشد من ركن يلملم، فكنت كما قال أخو بني جعفر بن كلاب: