والقطن والكتان أثوابهم * لم يجنب الصوف لهم جانب فأصبحوا حشا لدود الثرى * والدهر لا يبقى له صاحب أضحوا وما يرجو لهم راغب * خيرا ولا يرهبهم راهب كأنما جنتهم لعنة * سار إلى بين بها راكب قال: فتغير وجه يحيى، وقال: أعوذ بالله من شرك، يا قس! فغاب القس بين عينيه، فطلبه، فلم يقدر عليه. وأقام يحيى وولده في الحبس عدة سنين، وكتب يحيى إلى الرشيد يستعطفه، ويذكر له حرمته وتربيته، فوقع على ظهر رقعته: إنما مثلك يا يحيى ما قال الله عز وجل: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
وأغزى الرشيد ابنه القاسم الصائفة في هذه السنة، وهي سنة 188، ومعه عبد الملك بن صالح الهاشمي، وعلى أمره إبراهيم بن عثمان بن نهيك، فحاصر حصن سنان وقرة، وأصاب الناس جوع شديد، وعوز، وغلاء، وطلب الروم الصلح على أن يدفعوا إليه ثلاثمائة وعشرين مسلما، فقبل، وانصرف، وأخذ الرشيد أحمد بن عيسى بن يزيد العلوي، فحبسه بالرافقة سنة 188، فهرب أحمد بن عيسى من الحبس، وصار إلى البصرة، وكان يكاتب الشيعة يدعوهم إلى نفسه، فأذكى الرشيد عليه العيون، وجعل لمن جاء به الأموال، فلم يقدر عليه، فأخذ حاضر صاحبه، والمدبر لامره، فحمل إلى الرشيد، فلما صار ببغداد، وهو بباب الكرخ، قال: أيها الناس أنا حاضر صاحب أحمد بن عيسى بن يزيد العلوي، وقد أخذني السلطان، فمنعه الموكلون به من الكلام، فلما دخل على الرشيد سأله عنه وتهدده، فقال: والله لو كان تحت قدمي هذه ما رفعتها عنه، وأغلظ في الجواب، وقال: أنا شيخ قد جاوزت التسعين، أفأختم عملي بأن أدل على ابن رسول الله حتى يقتل؟ فأمر الرشيد، فضرب حتى مات، وصلب ببغداد، وطفي أحمد بن