وكان إبراهيم بن الأغلب بن سالم أحد الجند الذين أخرجوا من مصر إلى إفريقية، وكان يتولى شرطة صاحب إفريقية، فلما توفي ابن مقاتل واستخلف إبراهيم على البلد ضبطه وحسنت طاعة أهله، وكان يحمل إلى صاحب إفريقية من مصر، في كل سنة، ستمائة دينار، فكتب إبراهيم بن الأغلب إلى الرشيد يعلمه أنه يقوم بالبلد بغير مال، فولاه إياه، فدام أمره وأمر ولده إلى هذه الغاية.
وكان الرشيد ولى اليمن العباس بن سعيد مولاه، فضج منه أهل اليمن، وحكي عنه مذاهب قبيحة، فصرفه الرشيد، وولى مكانه إبراهيم بن محمد ابن إبراهيم الامام، ثم صرفه، وولى عبد الله بن مصعب الزبيري، ثم صرفه، وولى أحمد بن إسماعيل بن علي مكانه، ثم صرفه، وولى حمادا البربري مولاه فجار على أهل اليمن وغلظ عليهم.
ووثب الهيصم بن عبد المجيد الهمداني باليمن سنة 179، وغلب عليها، فكان معقله بجبل يقال له مسور، وكان معه عمر بن أبي خالد الحميري مقيما بعشتان، وكان معه الصباح بناحية يقال لها حراز، فلقوا حمادا البربري، فكانت بينهما وقائع قتل فيها نيف وعشرون ألفا من الناس، وأسر حماد عمر بن أبي خالد، فوجه به إلى الرشيد، واتصلت الحرب بينه وبين الهيصم تسع سنين، ثم صار إلى حماد رجل من أهل البلد، فأعلمه أن الهيصم قد نزل من قلعته وصار إلى قرية من القرى متنكرا يتجسس الاخبار، فوجه معه إلى تلك القرية بقائد يقال له حراد، فأخذ الهيصم، فقال الهيصم: والله إن القتل لشئ ما أنكره، وما خلقت الرجال إلا للموت والقتل. فحمله حماد على جمل، وأدخله إلى صنعاء، ثم وجه به إلى الرشيد، فأنشده في شعر طويل:
فشفاء ما لا تشتهيه * النفس تعجيل الفراق فدعا بالهيصم فأمر بضرب عنقه، وانحرف حماد البربري إلى صباح، فضرع صباح إلى الأمان فأعطاه الأمان، وقيل: لم يعطه إياه، ولكنه أسره،