إذا فهو ذو شخصية المعية بارزة قوية فذة نادرة قلما يجود الزمان بمثلها.
(وقد عرف الناس فضل الباجي في الأدوار الأخيرة من حياته وبعد وفاته، لأنه كان صلبا في آرائه، قويا في معارضاته، لا يخضع الا للحق ولا يخشى في سبيله لومة لائم، وقد جر عليه هذا الخلق الابي محنا ومقاومات وفتنا، غير أنها لم تنل من نفسه الكبيرة شيئا، ولم تحمله على تغيير سلوكه) (وكان من أعظم من حفل بهم تاريخ الأندلس الفكري من الرجال...
وندب نفسه للاصلاح بين الرؤساء) ومما يدل على شخصيته القوية وبداهة الرد السديد ما رواه ابن العربي:
(أخبرني الفقيه الطرطوشي، أخبرني الباجي أنه كان يوما في باب أحمد بن هود ينتظر اذنه، فجالسه ابنه الملقب بالمؤتمن - وكان يتفلسف - وجاذبة ذيل الحديث فقال له: هل قرأت أدب النفس لأفلاطون؟! قال له الباجي: إنما قرأت أدب النفس لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه:
الذي رأيت لأفلاطون: زجر النفس، وعني الباجي بقوله: أدب النفس لمحمد، ما تضمنت الشريعة من قرآن وسنة في هداية السنن وايضاح السنن) وشهادة ابن تيمية - وهو من هو - كافية وخير دليل على ما أسلفنا، قال: (وكذلك المتأخرون من أصحاب مالك الذين وافقوه، كأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي ونحوهما لا يعظمون الا بموافقة السنة والحديث) وقد طبقت شهرته الآفاق شرقا وغربا منذ بداية العقد الثالث من عمره، ويؤيد ما قاله ابن بسام في ذلك: - ما حل بلدا إلا وجده ملان بذكره - ما كتبه أبو الوليد نفسه في كتبه: فرق الفقهاء عن أحد مناظرية تو وصوله إلى حلب.