تقتبس أنواره وتنتجع أنجاده وأغواره، قطف من العلم أزاهرا، وتفنن في اقتنائه * وثنى إليه غنان اعتنائه حتى غدا مملوء الوطاب، وعاد بلح طلبه إلى الأرطاب *، فكر إلى الأندلس بحر لا تخاض لججه، وفجر لا يطمس منهجه *، فتهادته الدول، وتلقته الخيل والخول) وعقب عليه المقرى معاتبا: (ولعمري إنه لم يوف القاضي ألبا الوليد الباجي حقه الواجب المفترض، ووددت أنه كمد النفس في ترجمته بعبارة يعترف ببراعتها من سلم له ومن اعترض، فإن ترجمة المذكور مما سطره أفسح مجالا وأفصح روية وارتجالا، وبالجملة، فهو أحد الاعلام بالأندلس).
وقال ابن بسام: (نشأ أبو الوليد هذا وهمته في العلم تأخذ بأعناق السماء، ومكانه في النثر والنظم يسامي مناط الجوزاء وبدأ بالأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه... فما حل بلدا الا وجده ملان بذكره، فلم يبعد أن أصبح نسيج وحده في حله وعقده، حتى صار كثير من العماء يسمعون منه ويرتاحون إلى الاخذ عنه).
(وحتى علم العلم أن له أشكال، وتيقن أهل العراق أن للأندلس رجالا).
(على أنه لأول قدومه رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة بصلة ما أنبت من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف أسماعا واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعكف على أطلال داثرة، بيد إنه كلما وفد على ملك منهم في ظاهر امره لقيه بالترحيب وأجزل حظه من التأنيس والتقريب وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه رحمه الله بأمورهم وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالا تؤوب، ومذنبا يتوب)