وطنهم الأول الصلي طيلة ما بين الفتح الاسلامي وسقوط غرناطة، وهي الفترة التي كانت تتمتع هذه البلاد وأهلها بنعمة الاسلام.
فيدفعهم الشوق لأداء مناسك الحج، ولبعد المسافة بين ديارهم ومكة، وصعوبة التنقل آنئذ، ينتج عنه الوصول إلى بيت الله الحرام قبل الموسم أو بعده بزمن يطول أو يقصر، فيجلسون في حلقات العلم يدرسون ويدرسون ويتدارسون، وبعد أداء الفريضة، يرى أكثرهم إن الحاجة ماسة إلى المزيد من إشباع الرغبة في طلب العلم والمعرفة، فيمكثون هنالك عدة أعوام تبلغ ما بين العشرة والأربعين سنة، وأحيانا يقضون بقية العمر إلى إن يوافيهم الاجل، ومن تتبع تراجم الأندلسيين وقف على تمسكهم بأنسابهم العربية، كالتميمي، والحميدي، والمعافري، والهوزني، وغيرها، وبالإضافة إلى ما ذكر، يرحلون امتثالا لما تضمنته الآية الكريمة:
(فلولا نقر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) والحديث النبوي الشريف: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) فأصبحت الرحلة الهدف المنشود لذوي الطموح من طلاب المعرفة بقراءة القرآن ورواية الحديث والفقه والنحو والأدب. وارتشاف هذه العلوم من ينابعها، فاختاروا لأنفسهم أحسن الاختيارات بصدق وأمانة وتعقل، تبرهن على محبتهم لدين الاسلام ونبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاختاروا قراءة نافع من بين القراءات السبع - لكونه مقرئ المدينة التي عاش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الفترة الأخيرة من عمره التي تبلورت فيها الشريعة وانتشرت أشعة نور الاسلام شرقا وغربا - ومذهب الامام مالك امام دار الهجرة للأسباب نفسها، وتعددت الرحلات لتحصيل الحديث والتثبت فيه وعلو السند، والعلم بأحوال الرواة جرحا وتعديلا، ونقد الأحاديث وعللها، والتمكن من العلوم ونشرها.