فإنك خبير بأن هذه الكلمات غير وافية لبيان حقيقة التكبر، بحيث يمكن الحكم بدوران الحكم الشرعي مثلا مدار تلك المعاني.
وربما تصدى الغزالي في الأحياء لبيان حقيقة الحال، وأطال فيها المقال، وملخصه: (هو أن يرى الإنسان لنفسه مرتبة، وكذا لغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.
قال: فعند هذه الاعتقادات الثلاثة، يحصل فيه خلق الكبر، لا أن هذه الرؤية هي الكبر، بل هذه الروية وهذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اعتداد وفرح وركون إلى ما اعتقده، وعز في نفسه بسبب ذلك) (1).
وهو وإن دقق النظر وأتى بالأمور الثلاثة المذكورة، إلا أنها غير وافية لبيان حقيقة الحال أيضا، بل كان عليه اعتبار أمرين آخرين:
أحدهما: إيقاع العمل بالجوارح على طبق هذه الاعتقادات، وإلا فلو فرض تحققها ولم يعمل على طبقها، أو جاهد نفسه وعمل بخلافها، فلا ريب في عدم تحقق التكبر.
وثانيهما: إيقاع العمل المذكور في غير موضعه، بأن ترفع نفسه وطلب ترفعها في موضع لا ينبغي له ذلك، وذلك: كما في خطائه في أصل هذه الاعتقادات، بأن اعتقد الترفع على شخص مع عدم تفوقه عليه في الواقع، أو خطائه في اعتقاده بوصول تفوقه إلى هذه المرتبة المقتضية لطلب الترفع بهذه المرتبة.
والدليل على اعتبار هذا الأمر، ما نشاهد من وقوع الاعتقادات الثلاثة المذكورة مع العمل بالجوارح بحسبها من الأكابر، بالإضافة إلى الأصاغر مع