وإن قلت: سلمنا، ولكنه ينقدح من وجه آخر، وهو: أنه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين، أن العدالة هي المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان الراوي متصفا بهذا المعنى، أم لا؟ فلو لم يسقط المؤلف اعتبار هذا المقدار، لكان النفع أكثر.
قلت: مع أن هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقل، لذهاب الأكثر إلى المعنى الأعلى، بل ادعى عليه الاتفاق فيه، إنا نراهم يمدحون الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر، بل وأزيد منه.
ومع ذلك لا يصرحون بعدالتهم، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعلى فليأخذ بمقتضى هذا المدح، وهذا من أعظم الشواهد على أنهم أرادوا بالعدالة:
المعنى الأعم، فهم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع.
بل نقول: إن ما يظهر بالتتبع أنهم لا يختلفون في أن العدالة هي الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى.
نعم: يتأتى الكلام في أمور:
أحدها: في اعتبار المروة وعدمه، والمشهور أيضا اعتبارها، بل ظاهر الكنز اجماعهم عليه وليس بذلك البعيد.
نعم، صرح جماعة من المتأخرين بعدم اعتبارهم (1) ولا يثمر خلافهم في المقام ثمرة، فإن الكلام في تعديل أهل الرجال، والظاهر اعتبار المروة عندهم.
سلمنا، لكن العدالة المعتبرة في قبول الرواية، هي التي توجب الثقة والاعتماد، ومن لا مروة له لا اعتماد عليه غالبا.